13 min read
29 Jun
29Jun

من المؤكد أن حوكمة الشركات العائلية تعد ضمن الركائز الأساسية لاستقرارها ونموها المستدام، خاصةً في ظل دورها المحوري في دفع عجلة الاقتصاد الوطني.

 ومع تزايد التحديات التي قد تواجه هذه الشركات، يأتي تطبيق معايير الحوكمة لتنظيم العلاقات بين الأفراد وتعزيز الشفافية وضمان اتخاذ القرارات الاستراتيجية بفعالية.

 كما تهدف لائحة حوكمة الشركات العائلية إلى تحقيق التوازن بين المصالح العائلية والتجارية، مما يدعم انتقال الإدارة بسلاسة بين الأجيال. نستعرض في هذا المقال أساسيات الحوكمة، أهدافها، وأهم ما يتعلق بـ نظام الشركات العائلية في المملكة. 

ما هي الشركات العائلية؟

تشكل الشركات العائلية نموذجًا فريدًا في عالم الأعمال، حيث تجتمع روابط الدم مع روابط المصالح التجارية تحت سقف واحد، فهي مؤسسات تتركز ملكيتها وإدارتها بين أفراد عائلة واحدة أو عدة عائلات، لتمتد عبر الأجيال حاملةً معها إرثًا من القيم والتقاليد إلى جانب الأرباح والنمو. 

 ومن أهم ما يميز هذا النوع من الشركات، ذلك التداخل الطبيعي بين العلاقات الأسرية والقرارات الإستراتيجية، حيث لا تفصل الجوانب العاطفية تمامًا عن معايير السوق. 

 تحتل الشركات العائلية في المملكة العربية السعودية مكانةً استثنائية كرافد أساسي للاقتصاد الوطني، ورمز للثقة والمتانة بفضل تاريخها الطويل وارتباطها الوثيق بمجتمع الأعمال. 

 وتتميز هذه الكيانات بقدرتها الفريدة على الجمع بين المرونة في اتخاذ القرارات والاستقرار في الرؤية طويلة المدى، مما يجعلها قادرة على الصمود أمام التحديات والتكيّف مع المتغيرات، مع الحفاظ على هويتها وقيمها العائلية الأصيلة. 

مميزات استثنائية تتفرد بها الشركات العائلية في السعودية

أقر نظام الشركات الجديد المعدل عام 1443هـ في مادته الحادية عشرة إمكانية وضع ميثاق عائلي ينظم جوانب الملكية والإدارة، وأصبحت الشركات العائلية تتمتع بمزايا فريدة تجعلها الأكثر صمودًا واستدامة في عالم الأعمال، ومن ذلك:

  1.  امتلاكها رؤية تتخطى الأجيال، وتركيزها على النمو المستدام بدلًا من الأرباح السريعة.
  2. تمتعها بسمعة عريقة تبنى على العلاقات الشخصية والالتزام العائلي.
  3. المرونة والقدرة على التكيف مع التحديات بفضل هيكل قراراتها المرن.
  4.  الثقافة المؤسسية المتجذرة، وبيئة العمل المميزة التي تنبثق من قيم العائلة وأصالتها. 

حوكمة الشركات العائلية: الجسر بين التراث والتطوير

تمثل حوكمة الشركات العائلية نظامًا متكاملًا من السياسات والإجراءات والمعايير المصممة لتنظيم آليات اتخاذ القرار وإدارة العلاقات بين مختلف الأطراف المعنية من المساهمين من أفراد العائلة، ومجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية والأجيال القادمة. 

أهم أهداف حوكمة الشركات العائلية 

يتمثل الهدف من حوكمة الشركات العائلية بشكل أساسي في تحقيق التوازن الأمثل بين متطلبات النجاح التجاري والحفاظ على القيم العائلية. وتستند هذه الحوكمة إلى مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المصممة لضمان استمرارية الشركة عبر الأجيال وتعزيز أدائها التنافسي، ومن ذلك:

  1. ضمان الاستمرارية المؤسسية

وذلك من خلال وضع آليات واضحة لنقل القيادة والملكية بين الأجيال، ومنع التفكك الأسري والنزاعات التي تهدد مستقبل الشركة، فضلًا عن تأمين الانتقال السلس للسلطة والإدارة.

  1. تعزيز الكفاءة التشغيلية

وذلك من خلال إنشاء هياكل تنظيمية فعالة تضمن الفصل بين الأدوار، وتشكيل مجالس إدارة مستقلة لتحسين جودة القرارات، وتطوير معايير أداء واضحة لقياس النتائج.

  1. تعظيم الشفافية والمساءلة

من خلال تطبيق معايير الإفصاح المالي والإداري، وإرساء آليات الرقابة والمحاسبة، وبناء الثقة مع جميع أصحاب المصلحة.

  1. تحقيق التوازن بين المصالح

من خلال حماية حقوق جميع المساهمين بشكل عادل، والتوفيق بين الأهداف التجارية والقيم العائلية، وإدارة التوقعات وتحديد الأدوار بوضوح وفعالية.

  1. تعزيز التماسك العائلي

من خلال وضع سياسات واضحة لإدارة النزاعات، والحفاظ على التراث العائلي وقيمه، وتحويل التحديات العائلية إلى فرص للنمو.

 يتضح لنا مما سبق، أهمية حوكمة الشركات العائلية وأنها منظومة متكاملة تقدم حلولًا عملية للتحديات الجوهرية التي تواجهها هذه الكيانات، ولا تقتصر على تحقيق التوازن بين المصالح التجارية والعلاقات العائلية فحسب، بل تضمن الاستمرارية المؤسسية، والتنافسية التجارية، والشفافية والمساءلة والتماسك العائلي. 

أهم التحديات التي تعرقل تطبيق حوكمة الشركات العائلية في السعودية

تواجه الشركات العائلية في المملكة العربية السعودية تحديات جوهرية في تطبيق أنظمة الحوكمة الفعالة، تنبع من الطبيعة المزدوجة التي تجمع بين الاعتبارات العائلية والمتطلبات التجارية، وتتمثل أبرز هذه التحديات فيما يلي:

  1. النزاعات العائلية وتداخل الأدوار

قد تظهر خلافات عميقة بين أفراد العائلة حول مسائل القيادة وتوزيع الأدوار والموارد، وتختلط العلاقات الأسرية بالعلاقات المهنية، وربما تتفاقم هذه النزاعات مع تعدد الأجيال واختلاف الرؤى حول إدارة الشركة.

  1. غياب الحدود بين العائلة والشركة

حيث تتداخل الميزانيات الشخصية مع ميزانيات العمل، وتتأثر القرارات الإستراتيجية بالاعتبارات العائلية أكثر من الاعتبارات التجارية الصرفة

  1. تحديات الشفافية والإفصاح

تعاني العديد من الشركات العائلية من نقص في أنظمة الإفصاح المالي والإداري، مما يقلل من ثقة الشركاء والمستثمرين الخارجيين، ويحد من فرص النمو والتوسع عبر الشراكة مع أطراف خارج العائلة.

  1.  إشكالية التوريث وانتقال القيادة

يظل غياب الخطط الواضحة لخلافة القيادة بين الأجيال التحدي الأكبر الذي يهدد استمرارية هذه الشركات، حيث تفتقر العديد من العائلات إلى آليات محددة لإعداد الجيل التالي وتدريبه على تحمل المسؤولية. 

تتطلب مواجهة تحديات حوكمة الشركات العائلية في السعودية نهجًا متوازنًا يجمع بين الأصالة والحداثة، ويرتكز على فهم عميق للسياق الاجتماعي والثقافي المحلي مع تبني أفضل ممارسات الحوكمة العالمية، لضمان تحقيق الاستدامة والتنافسية في ظل المتغيرات الاقتصادية المعاصرة. 

الإطار القانوني والتنظيمي لحوكمة الشركات العائلية

يشكل الميثاق الاسترشادي للشركات العائلية الصادر عن وزارة التجارة عام 1439هـ/ 2018م، مع نظام الشركات الجديد 1443هـ الركيزة الأساسية لـ لائحة حوكمة الشركات العائلية في المملكة، حيث يوفر هذا الإطار التنظيمي مجموعة من الضوابط والمعايير التي تغطي كافة الجوانب التشغيلية والاستراتيجية، متضمنة تحديد القيم العائلية والأهداف الاستراتيجية، وتنظيم هياكل الحوكمة بما في ذلك مجلس العائلة ومجلس الإدارة، وحتى وضع السياسات الواضحة للعمل والتوظيف وآليات التصرف في الأسهم.

 وتأتي لائحة حوكمة الشركات العائلية كأداة عملية لترجمة هذه الضوابط إلى إجراءات تنفيذية تحقق التوازن بين متطلبات العمل الاحترافي والحفاظ على القيم العائلية. 

أساسيات حوكمة الشركات العائلية

تقوم أساسيات حوكمة الشركات العائلية على خمسة مبادئ رئيسية تشكل الإطار العام لإدارتها الفعالة، وهي على النحو التالي:

  1.  الشفافية والإفصاح الذي يقتضي نشر المعلومات المالية وغير المالية بشكل دقيق وواضح. 
  2. العدالة في معاملة جميع الأطراف بنزاهة وإنصاف.
  3.  أنظمة الرقابة الداخلية والخارجية التي تضمن متابعة الأداء وتصحيح المسار.
  4.  المساءلة عبر تحديد دقيق للمسؤوليات والصلاحيات.
  5. الاستقلالية التي تضمن حيادية أعضاء المجالس.

 وتمثل هذه المبادئ معًا الأساس المتين الذي تبنى عليه سياسات وإجراءات حوكمة الشركات العائلية لضمان استقرارها ونموها المستدام. 

طريقك لتحقيق الضمان القانوني لاستدامة شركتك العائلية

لا غنى لك عن التعاقد مع محامي متخصص يساعدك في بناء نظام حوكمة رصين لشركتك العائلية، فهو ليس مجرد مستشار قانوني، بل شريك استراتيجي في صياغة مستقبلك المؤسسي.

 ومن خلال خبراته العميقة، يمكنه تصميم آليات تمنع التداخل بين الشؤون العائلية والقرارات التجارية، وتأسيس مرحلة انتقالية آمنة للقيادة بين الأجيال مع الحفاظ على الكيان القانوني للشركة من أي تهديدات قد تنشأ عن الخلافات الأسرية أو توزيع الميراث.

 جدير بالذكر أن الاختيار الأمثل لمحامي الشركات يجب أن يعتمد على معايير دقيقة، أبرزها: الخبرة في المنازعات العائلية التجارية، والإلمام بثقافة العائلات السعودية، والقدرة على صياغة وثائق تحاكي التحديات المستقبلية.

وبهذه الرؤية الاستباقية، تتحول الشركة العائلية من كيان معرض للمخاطر إلى مؤسسة منيعة قادرة على تجاوز تحدي الزمن. 

مستعدون في مكتب سهل للمحاماة لاستقبال استفساراتكم حول ما يتعلق بآليات تطبيق حوكمة الشركات العائلية ولائحتها التنفيذية.

 نضع بين يديكم خبرتنا القانونية في صياغة أنظمة الحوكمة، وتطبيق اللوائح التنفيذية وفقًا لأحدث التشريعات، بما يضمن الشفافية، الاستدامة، وحل النزاعات العائلية بطرق قانونية سليمة، سواء كنتم بحاجة إلى: إعداد وثائق حوكمة مخصصة للشركة العائلية، أو تقسيم الأدوار والمسؤوليات بين الأفراد وفقًا للقانون، أو حل الخلافات العائلية أو المالية عبر آليات قانونية واضحة، وغير ذلك من الخدمات القانونية المتميزة. 


Comments
* The email will not be published on the website.