تزداد أهمية حوكمة الشركات كإجراء لا غنى عنه في تحقيق النجاح والازدهار في مختلف المجالات، وتتجلى هذه الأهمية بصورة خاصة في القطاع الحكومي الذي يضطلع بدور حيوي في دفع عجلة التنمية المستدامة وضمان رفاهية المجتمع.
فلم تعد الحوكمة في القطاع الحكومي مجرد خيار، بل ضرورة ملحة لتمكين المؤسسات الحكومية من مواكبة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية.
وفي هذا السياق، تبرز رؤية المملكة العربية السعودية 2030 كمنارة تضيء الطريق نحو مستقبل أكثر ازدهارًا، حيث يحتل مفهوم الحوكمة ومبادئها والشفافية والمساءلة صدارة الأولويات في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع الحكومي.
يسلط هذا المقال الضوء على مبادئ الحوكمة في القطاع العام وأهميتها الجوهرية، ويستعرض أبرز التحديات التي تعترض سبل تطبيقها، ويستلهم الدروس القيّمة من نظام حوكمة الشركات لتحسين أداء القطاع العام وكفاءته.
في البداية، يتعين علينا أن نوضح مفهوم الحوكمة ومبادئها بشكل عام، حيث يمكن تعريفها لغويًّا بـ "الإدارة الرشيدة" أما اصطلاحًا، فهي نظام متكامل من القواعد والآليات والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق الإدارة الرشيدة والفعالة للمؤسسات.
وترتكز الحوكمة على مجموعة من القيم الأساسية المتعارف عليها، وتتضمن:
يتمثل الهدف الأسمى من الحوكمة في القطاع العام في صيانة المال العام وحمايته باعتباره الركيزة الأساسية التي تعتمد الدولة في الاضطلاع بمسؤولياتها وتقديم خدماتها الحيوية للمواطنين، فالمال العام ليس مجرد مورد مالي، بل هو مسؤولية تقع على عاتق الحكومة لضمان توجيهه بكفاءة وفعالية نحو تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين في شتى المجالات سواء كانت خدمات صحية أو تعليمية أو اجتماعية أو غيرها.
أما عن أهداف الحوكمة الأخرى، فيمكننا إيجازها على النحو التالي:
يتضح لنا مما سبق أهمية حوكمة الشركات بجلاء في مختلف أنواعها سواء كانت خاصة أو عامة، ولكنها تكتسب أهمية مضاعفة في القطاع العام نظرًا لدوره المحوري في خدمة المجتمع وإدارة الموارد العامة والتي هي ملك للجميع.
يمكن تصنيف أنواع الحوكمة في القطاع الحكومي على النحو التالي:
إن التكامل بين هذه الأنواع المتعددة للحوكمة هو ما يُشكّل في نهاية المطاف منظومة الإدارة الرشيدة في القطاع الحكومي، وكل نوع من هذه الأنواع يساهم بدور حيوي ومتميز في تحسين الأداء العام للمؤسسات الحكومية، وتعزيز الثقة المتبادلة بين الجمهور والحكومة.
بعد معرفة أهم أهداف حوكمة الشركات، يصبح من الأهمية بمكان التعرف على كيفية تطبيق مبادئها في القطاع الحكومي السعودي، وذلك على النحو التالي:
لا يخلو الأمر من بعض التحديات التي تعترض عملية تطبيقات الحوكمة في القطاع الحكومي، وأهمها:
والذي ينبع من قبَل الموظفين أو الأفراد العاملين، لشعورهم بالاستقرار والاطمئنان تجاه الوضع الراهن المعتاد والارتكان إلى منطقة الراحة التي يوفرها النظام الإجرائي المعتاد والخوف من المجهول.
ويمكن مواجهة هذا التحدي من خلال تبني تدابير استباقية تهدف إلى نشر الوعي وتعميق الفهم بشأن أهمية الحوكمة في القطاع العام، والفوائد المتوقعة التي ستعود على المؤسسة كوحدة متكاملة، والتي ستنعكس بدورها إيجابًا على جميع العاملين فيها.
يتطلب التطبيق الأمثل لمفاهيم الحوكمة في القطاع الحكومي تخصيص موارد متنوعة وكافية، بما في ذلك: الموارد المالية، والوقت الزمني، والجهود البشرية المبذولة، ولا يمكن تحقيق الحوكمة بصورة فعالة ومستدامة دون توفير هذه الموارد الضرورية بشكل ملائم.
لذا، يتعين على المؤسسات التي تتطلع إلى تطوير وتعزيز هياكل الحوكمة لديها، أن تتحقق من توفير الاعتمادات المالية اللازمة، والتخصيص الزمني الكافي، وتعبئة الطاقات البشرية المؤهلة، بما يضمن استدامة الدعم لعمليات تطوير وترسيخ الحوكمة داخل المؤسسة.
وهو أحد التحديات الجوهرية التي قد تعترض مسيرة تطبيق الحوكمة في القطاع الحكومي، فقد ينجم عن هذا التفاوت في الالتزام عدم الاتساق في المخرجات والنتائج المتحققة، والالتزام الفعال والكامل بمبادئ الحوكمة يشترط استيعابًا دقيقًا وشاملًا لكافة أبعاد هذه المبادئ ومضامينها.
لذا، تبرز الحاجة إلى تنظيم برامج تدريبية وتوعوية مُهيكلة تستهدف الموظفين وكافة الكوادر العاملة في المؤسسة، وذلك بهدف ترسيخ الالتزام الفردي والجماعي بمفاهيم الحوكمة ومبادئها الأساسية، باعتباره شرطًا أساسيًّا لنجاح التطبيق.
قد يؤدي التنوع الثقافي واللغوي بين الأفراد أو الموظفين العاملين في المؤسسة إلى نشوء صعوبات في التواصل الفعال، مما قد يعيق التطبيق الأمثل لمعايير الحوكمة.
لذا، يصبح من الأهمية بمكان أن تلتزم المؤسسات بتوفير برامج تدريبية شاملة تستهدف تعليم الموظفين المبادئ والمعايير الأساسية للحوكمة، وآليات تطبيقها بشكل موحد، بغض النظر عن الخلفيات الثقافية أو اللغوية المتنوعة، وذلك بهدف ضمان الفهم المشترك وتذليل العقبات التواصلية، وتيسير التطبيق السلس والمتكامل لمعايير الحوكمة في بيئة عمل متعددة الثقافات.
يشكل الفساد بمختلف صوره وأشكاله خطرًا جسيمًا يعيق بشكل مباشر عملية تفعيل مبادئ الحوكمة داخل أي مؤسسة، ولمواجهة هذا التحدي، يتعين تبني استراتيجية شاملة تركز على تحسين بيئة العمل وتعزيز آليات الرقابة الفعالة، ويتحقق هذا من خلال التشديد على قيم النزاهة والشفافية في صلب العمل المؤسسي، وإرساء قنوات إبلاغ واضحة ومحمية للكشف عن أي حالات فساد محتملة.