لا يخفى على أحد أهمية نظام الانضباط الوظيفي في نجاح أي شركة وتحقيق أهدافها طويلة المدى، لأنه يضمن التزام الموظفين بالسياسات والقواعد والمعايير المهنية، وبالتالي تعزيز الإنتاجية وخلق بيئة عمل عادلة ومنظمة.
وكلما كان موظفو الشركة أكثر انضباطًا، زادت فرص الشركة في النمو واكتساب ميزة تنافسية.
جدير بالذكر أن اللائحة التنفيذية لنظام الانضباط الوظيفي في المملكة تعد بمثابة استراتيجية متكاملة لإدارة سلوكيات الموظفين وأدائهم، كما أنها تهدف إلى بناء ثقافة عمل إيجابية ومحفزة وتضمن سير العمل بسلاسة وفعالية داخل المؤسسات.
سنتناول في هذا المقال تفاصيل نظام الانضباط الوظيفي: أنواعه، أهميته، أهدافه، العوامل المؤثرة فيه، نتائجه وكيفية تحقيقه في المملكة العربية السعودية.
صدر نظام الانضباط الوظيفي في المملكة العربية السعودية بموجب المرسوم الملكي رقم م/18 وتاريخ 1443/8/2هـ بهدف تنظيم سير العمل في القطاع العام، وحماية الوظيفة العامة، وتحسين أداء الموظفين، وضمان انتظام العمل.
ويتألف النظام من 25 مادة تحدد بوضوح الضوابط والإجراءات المتعلقة بالمخالفات الوظيفية والعقوبات المترتبة عليها، بما يضمن تحقيق العدالة والشفافية.
حرصت الدولة على تطوير نظام الانضباط الوظيفي ولائحته التنفيذية وتحسين أنظمته السابقة للأسباب التالية:
يمكن إيجاز أبرز ملامح نظام الانضباط الوظيفي فيما يلي:
ويشترط فيها إجراء تحقيق شامل مع الموظف المنسوب إليه المخالفة، ومواجهته بالتهم الموجهة إليه، والاستماع إلى أقواله وتدوينها في محضر رسمي، وأن تكون العقوبة الموقعة واضحة الأسباب.
وفي حال قرار الفصل من الخدمة، لا يجوز للموظف شغل أي وظيفة حكومية إلا بعد انتهاء مواعيد الطعن القانوني على القرار أو اكتساب حكم الفصل الصفة النهائية.
المخالفات التي يرتكبها الموظف سواء كانت مالية أو سلوكية أو إدارية تعد إخلالًا بواجباته الوظيفية، وتستوجب توقيع العقوبة المنصوص عليها في النظام.
يوقع النظام عدة جزاءات على الموظف المخالف تتناسب مع جسامة المخالفة، حيث تشمل هذه الجزاءات الإنذار الخطي، أو الخصم من الراتب بشرط ألا يتجاوز مجموع الخصومات راتب ثلاثة أشهر إجمالًا وألا يزيد الخصم الشهري عن ثلث صافي الراتب الشهري، كما قد تشمل الحرمان من العلاوة السنوية لمرة واحدة، أو الحرمان من الترقية لمدة لا تتجاوز سنتين من تاريخ استحقاقها، بالإضافة إلى إمكانية الفصل من الخدمة في حالات المخالفات الجسيمة.
يعفى الموظف من الجزاء المفروض عليه إذا ارتكب المخالفة تنفيذًا لأمر مباشر صادر من مديره المختص، بشرط أن يكون الموظف قد أنذر المدير كتابةً أو بما يُثبت إخطاره بطبيعة المخالفة وعدم مشروعيتها.
تبقى الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في هذا النظام نافذةً حتى بعد انتهاء خدمة الموظف، ما عدا في حالتي الوفاة أو العجز الصحي الكامل.
وفي جميع الحالات الأخرى، يحق للجهة المختصّة توقيع عقوبة مالية على الموظف المخالف، بحيث لا تتجاوز قيمة الغرامة ثلاثة أضعاف آخر راتب شهري كان يتقاضاه.
هناك مجموعة عوامل أساسية تؤثر بشكل مباشر على تحقيق أهداف الانضباط الوظيفي، ومن ذلك:
نصت المادة الثانية عشر من نظام الانضباط الوظيفي على مجموعة من الحالات التي يحال فيها الموظف إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وهي على النحو التالي:
توضح المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لنظام الانضباط الوظيفي أنه في حال رفض الموظف المطلوب التحقيق معه التعاون مع لجنة التحقيق، يسمح للجنة المختصة بمتابعة النظر في المخالفة التأديبية بناءً على الأدلة المتوفرة، مع توثيق أسباب امتناعه في محضر التحقيق.
ويعتبر الموظف ممتنعًا في الحالات التالية:
هذا في حال تم إبلاغ الموظف مرتين بموعد التحقيق ولم يحضر دون تقديم عذر، أما إذا قدم عذرًا، فللجنة أن تقرر قبوله أو رفضه مع إعلام الموظف بالأسباب.
إذا رفض الموظف الإجابة على الأسئلة أو تقديم أي توضيحات خلال التحقيق.
إذا امتنع عن التوقيع على محضر التحقيق بعد انتهاء جلسة الاستماع لأقواله.
يحق للجنة في أي من هذه الحالات اتخاذ القرار التأديبي بناءً على الأدلة المتاحة دون مشاركة الموظف، مع تضمين محضر التحقيق تفاصيل امتناعه وأسبابه.
شهد نظام الانضباط الوظيفي في المملكة العربية السعودية تطورًا ملحوظًا مع صدور النظام الجديد، والذي ركز على توضيح آليات التعامل مع المخالفات، وتنفيذ العقوبات بشكل أكثر شفافية وعدالة، ومن أبرز الفروقات بين النظامين ما يلي:
جاء نظام الانضباط الوظيفي في 25 مادة فقط، مقابل 50 مادة في النظام القديم، مما يؤكد السعي نحو التبسيط والتركيز على الجوهر، كما حرص النظام الجديد على تحديد المفاهيم الأساسية بدقة، حيث تضمنت المادة الأولى منه 11 تعريفًا واضحًا لمصطلحات مثل "الموظف العام" و"الوظيفة العامة" و"المخالفة التأديبية"، على عكس النظام القديم الذي افتقر إلى مثل هذه التوضيحات المفاهيمية.
تميز النظام الجديد أيضًا بوضوح الهدف، حيث نص صراحة على حماية الوظيفة العامة وضمان حسن أداء العمل وسير المرفق العام، بينما لم يظهر هذا التوجه بوضوح في النظام القديم.
كما وسع النظام الحديث نطاق تطبيقه ليشمل جميع الموظفين باستثناء من ينطبق عليهم أنظمة خاصة، في حين اقتصر النظام القديم على موظفي الأشخاص المعنوية العامة والموظفين المدنيين مع استثناء أعضاء السلك القضائي.
أوجب النظام الجديد أن تكون القرارات التأديبية مسببة، بحيث لا تعتبر من قبيل الفصل التعسفي وفقًا للنظام السعودي، وهو ما لم ينص عليه النظام القديم، كما تناول النظام الحديث مسألة شغل الوظائف بعد الفصل، حيث منع تعيين أو نقل أو ترقية أو تعاقد مع من سبق فصله، بينما أغفل النظام القديم هذه النقطة.
وفيما يتعلق بالجزاءات، أقر النظام الجديد إعفاء الموظف من المتابعة التأديبية في حالات الوفاة أو العجز الكامل الصحي، على عكس النظام القديم الذي كان يستمر في متابعة الجزاءات حتى بعد انتهاء الخدمة، كما أدخل النظام الحديث آلية جديدة تتمثل في تشكيل لجان مختصة للنظر في المخالفات، وهي آلية لم تكن موجودة في النظام السابق.