10 قراءة دقيقة
16 Sep
16Sep

لا يخفى على أحد أهمية نظام الانضباط الوظيفي في نجاح أي شركة وتحقيق أهدافها طويلة المدى، لأنه يضمن التزام الموظفين بالسياسات والقواعد والمعايير المهنية، وبالتالي تعزيز الإنتاجية وخلق بيئة عمل عادلة ومنظمة.

وكلما كان موظفو الشركة أكثر انضباطًا، زادت فرص الشركة في النمو واكتساب ميزة تنافسية.

جدير بالذكر أن اللائحة التنفيذية لنظام الانضباط الوظيفي في المملكة تعد بمثابة استراتيجية متكاملة لإدارة سلوكيات الموظفين وأدائهم، كما أنها تهدف إلى بناء ثقافة عمل إيجابية ومحفزة وتضمن سير العمل بسلاسة وفعالية داخل المؤسسات.

سنتناول في هذا المقال تفاصيل نظام الانضباط الوظيفي: أنواعه، أهميته، أهدافه، العوامل المؤثرة فيه، نتائجه وكيفية تحقيقه في المملكة العربية السعودية. 

ما هو نظام الانضباط الوظيفي ولائحته التنفيذية

نظام الانضباط الوظيفي في المملكة العربية السعودية

صدر نظام الانضباط الوظيفي في المملكة العربية السعودية بموجب المرسوم الملكي رقم م/18 وتاريخ 1443/8/2هـ بهدف تنظيم سير العمل في القطاع العام، وحماية الوظيفة العامة، وتحسين أداء الموظفين، وضمان انتظام العمل.

ويتألف النظام من 25 مادة تحدد بوضوح الضوابط والإجراءات المتعلقة بالمخالفات الوظيفية والعقوبات المترتبة عليها، بما يضمن تحقيق العدالة والشفافية. 

أسباب إصدار نظام الانضباط الوظيفي الجديد وأهميته

حرصت الدولة على تطوير نظام الانضباط الوظيفي ولائحته التنفيذية وتحسين أنظمته السابقة للأسباب التالية:

  1. تحقيق أهداف القطاعات الإنتاجية والخدمية وتعزيز كفاءتها.
  2. توضيح المصطلحات القانونية الغامضة أو التي هي مثار جدل بين الموظفين والجهات.
  3. تحديد الإطار القانوني لحقوق وواجبات الموظفين، بما في ذلك العقوبات المترتبة على المخالفات.
  4. المساهمة في الحفاظ على الشرف الوظيفي والالتزام باللوائح داخل الجهات الحكومية والمنشآت.
  5. تعزيز العدالة والشفافية في تطبيق الإجراءات التأديبية.

أبرز ملامح نظام الانضباط الوظيفي

يمكن إيجاز أبرز ملامح نظام الانضباط الوظيفي فيما يلي:

  1.  ضمان التحقيق العادل 

ويشترط فيها إجراء تحقيق شامل مع الموظف المنسوب إليه المخالفة، ومواجهته بالتهم الموجهة إليه، والاستماع إلى أقواله وتدوينها في محضر رسمي، وأن تكون العقوبة الموقعة واضحة الأسباب. 

وفي حال قرار الفصل من الخدمة، لا يجوز للموظف شغل أي وظيفة حكومية إلا بعد انتهاء مواعيد الطعن القانوني على القرار أو اكتساب حكم الفصل الصفة النهائية.

  1. تحديد المخالفة الوظيفية 

المخالفات التي يرتكبها الموظف سواء كانت مالية أو سلوكية أو إدارية تعد إخلالًا بواجباته الوظيفية، وتستوجب توقيع العقوبة المنصوص عليها في النظام.

  1. الجزاءات التأديبية

يوقع النظام عدة جزاءات على الموظف المخالف تتناسب مع جسامة المخالفة، حيث تشمل هذه الجزاءات الإنذار الخطي، أو الخصم من الراتب بشرط ألا يتجاوز مجموع الخصومات راتب ثلاثة أشهر إجمالًا وألا يزيد الخصم الشهري عن ثلث صافي الراتب الشهري، كما قد تشمل الحرمان من العلاوة السنوية لمرة واحدة، أو الحرمان من الترقية لمدة لا تتجاوز سنتين من تاريخ استحقاقها، بالإضافة إلى إمكانية الفصل من الخدمة في حالات المخالفات الجسيمة.

  1.  الإعفاء من الجزاءات   

يعفى الموظف من الجزاء المفروض عليه إذا ارتكب المخالفة تنفيذًا لأمر مباشر صادر من مديره المختص، بشرط أن يكون الموظف قد أنذر المدير كتابةً أو بما يُثبت إخطاره بطبيعة المخالفة وعدم مشروعيتها.

  1.  استمرارية الإجراءات بعد انتهاء العلاقة الوظيفية  

 تبقى الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في هذا النظام نافذةً حتى بعد انتهاء خدمة الموظف، ما عدا في حالتي الوفاة أو العجز الصحي الكامل.

وفي جميع الحالات الأخرى، يحق للجهة المختصّة توقيع عقوبة مالية على الموظف المخالف، بحيث لا تتجاوز قيمة الغرامة ثلاثة أضعاف آخر راتب شهري كان يتقاضاه. 

أهم العوامل المؤثرة على الانضباط الوظيفي

هناك مجموعة عوامل أساسية تؤثر بشكل مباشر على تحقيق أهداف الانضباط الوظيفي، ومن ذلك:

أهم العوامل المؤثرة على الانضباط الوظيفي
  1. وضوح الأنظمة واللوائح الداخلية التي تحدد المعايير وتُرسي قواعد العمل بشكلٍ يسهل فهمه.
  2. القيادة الفعالة، حيث يُشكل المديرون قدوةً للموظفين من خلال سلوكهم المهني والتزامهم بالقيم المؤسسية.
  3. العدالة في تطبيق العقوبات والمكافآت والتي تُعزز الثقة وتضمن المساواة بين الجميع. 
  4. بيئة العمل الإيجابية التي توفر الراحة والدعم النفسي والمادي، مما ينعكس إيجابًا على الإنتاجية.
  5. تحفيز الموظفين عبر تقدير جهودهم، مما يُشعرهم بقيمتهم ويُعزز انتمائهم.
  6. التدريب والتطوير المستمر، الذي يُنمّي المهارات ويواكب التحديات الحديثة، ويجعل المؤسسة كيانًا ديناميكيا قادرًا على تحقيق التميز في ظل الانضباط الوظيفي المنشود.

المادة الثانية عشر من نظام الانضباط الوظيفي: إحالة الموظف إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد

نصت المادة الثانية عشر من نظام الانضباط الوظيفي على مجموعة من الحالات التي يحال فيها الموظف إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وهي على النحو التالي:

  1. الموظف الذي ارتكب مخالفة في جهة حكومية غير جهة عمله الحالية، أو الذي نقل إلى جهة أخرى بعد ارتكابه المخالفة.
  2. الموظفون العاملون في أكثر من جهة حكومية والذين ارتكبوا مخالفة واحدة أو عدة مخالفات ذات صلة.
  3.  الموظف الذي أنهيت خدماته قبل إتمام التحقيق معه، أو قبل تنفيذ العقوبة المقررة بحقه.

الإجراءات القانونية في حال امتناع الموظف عن التحقيق

توضح المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لنظام الانضباط الوظيفي أنه في حال رفض الموظف المطلوب التحقيق معه التعاون مع لجنة التحقيق، يسمح للجنة المختصة بمتابعة النظر في المخالفة التأديبية بناءً على الأدلة المتوفرة، مع توثيق أسباب امتناعه في محضر التحقيق. 

ويعتبر الموظف ممتنعًا في الحالات التالية: 

  1.  التغيب عن التحقيق دون عذر مقبول 

هذا في حال تم إبلاغ الموظف مرتين بموعد التحقيق ولم يحضر دون تقديم عذر، أما إذا قدم عذرًا، فللجنة أن تقرر قبوله أو رفضه مع إعلام الموظف بالأسباب.   

  1. الامتناع عن الإدلاء بالبيانات 

إذا رفض الموظف الإجابة على الأسئلة أو تقديم أي توضيحات خلال التحقيق.  

  1.  الرفض غير المبرر للتوقيع على المحضر  

إذا امتنع عن التوقيع على محضر التحقيق بعد انتهاء جلسة الاستماع لأقواله.

يحق للجنة في أي من هذه الحالات اتخاذ القرار التأديبي بناءً على الأدلة المتاحة دون مشاركة الموظف، مع تضمين محضر التحقيق تفاصيل امتناعه وأسبابه. 

مقارنة بين نظام الانضباط الوظيفي الحديث والنظام القديم

شهد نظام الانضباط الوظيفي في المملكة العربية السعودية تطورًا ملحوظًا مع صدور النظام الجديد، والذي ركز على توضيح آليات التعامل مع المخالفات، وتنفيذ العقوبات بشكل أكثر شفافية وعدالة، ومن أبرز الفروقات بين النظامين ما يلي:

جاء نظام الانضباط الوظيفي في 25 مادة فقط، مقابل 50 مادة في النظام القديم، مما يؤكد السعي نحو التبسيط والتركيز على الجوهر، كما حرص النظام الجديد على تحديد المفاهيم الأساسية بدقة، حيث تضمنت المادة الأولى منه 11 تعريفًا واضحًا لمصطلحات مثل "الموظف العام" و"الوظيفة العامة" و"المخالفة التأديبية"، على عكس النظام القديم الذي افتقر إلى مثل هذه التوضيحات المفاهيمية.

تميز النظام الجديد أيضًا بوضوح الهدف، حيث نص صراحة على حماية الوظيفة العامة وضمان حسن أداء العمل وسير المرفق العام، بينما لم يظهر هذا التوجه بوضوح في النظام القديم.

كما وسع النظام الحديث نطاق تطبيقه ليشمل جميع الموظفين باستثناء من ينطبق عليهم أنظمة خاصة، في حين اقتصر النظام القديم على موظفي الأشخاص المعنوية العامة والموظفين المدنيين مع استثناء أعضاء السلك القضائي.

أوجب النظام الجديد أن تكون القرارات التأديبية مسببة، بحيث لا تعتبر من قبيل الفصل التعسفي وفقًا للنظام السعودي، وهو ما لم ينص عليه النظام القديم، كما تناول النظام الحديث مسألة شغل الوظائف بعد الفصل، حيث منع تعيين أو نقل أو ترقية أو تعاقد مع من سبق فصله، بينما أغفل النظام القديم هذه النقطة.

وفيما يتعلق بالجزاءات، أقر النظام الجديد إعفاء الموظف من المتابعة التأديبية في حالات الوفاة أو العجز الكامل الصحي، على عكس النظام القديم الذي كان يستمر في متابعة الجزاءات حتى بعد انتهاء الخدمة، كما أدخل النظام الحديث آلية جديدة تتمثل في تشكيل لجان مختصة للنظر في المخالفات، وهي آلية لم تكن موجودة في النظام السابق.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.