يسعى نظام العمل الجديد لمواءمة بيئة العمل المحلية مع أفضل الممارسات العالمية، وتأتي هذه التحديثات كحجر أساس في رحلة التحول الوطني الطموحة، والتي تهدف إلى تعزيز كفاءة سوق العمل وزيادة جاذبيته للاستثمارات وبناء قطاع إنتاجي قائم على المعرفة والمرونة.
وعلى ذكر هذه التغييرات الجوهرية، تبرز أمام الشركات السعودية فرصةً تاريخية لإعادة هيكلة عملياتها واستراتيجياتها التشغيلية، وهذا الاستعداد ضروري لضمان الاستدامة والنمو في سوق يتميز بالحيوية والمنافسة.
يجب على الشركات الرائدة أن تتعامل مع هذه التحديثات كمنصة استراتيجية تعزيز إنتاجيتها ورفع مستوى رفاهية الموظفين وبناء ثقافة تنظيمية أكثر شفافية وابتكارًا، لتتبوأ مكانتها التنافسية المتقدمة في الاقتصاد السعودي الجديد، وهذا هو ما سوف نناقشه بالتفصيل في السطور التالية.
تم تصميم نظام العمل الجديد في المملكة العربية السعودية لمواكبة متطلبات الرؤية الاقتصادية 2030، حيث يهدف إلى إحداث التوازن بين متطلبات الكفاءة التشغيلية لشركات وضمان حقوق العاملين، يعكس توجه المملكة نحو اقتصاد متنوع من خلال تبني مفاهيم المرونة والشفافية والعدالة كأساس لعلاقة عمل منتجة.
يتضمن نظام العمل الجديد تحديثات جوهرية تتضمن تعزيز حماية الطرفين في العلاقة التعاقدية، من خلال استحداث آليات مرنة لإنهاء العقود، وتوسيع نطاق أسباب الفصل والتركيز على مكافحة التمييز، وتشجيع تبني نماذج العمل الحديثة كالعمل عن بعد، وغير ذلك من التحديثات التي تضع السوق السعودي في مصاف أسواق العمل الجاذبة والمنافسة عالميًّا.
شهد الربع الأول من عام 2025 سلسلة من التحديثات لنظام العمل في المملكة العربية السعودية، والتي تهدف إلى تعزيز مرونة سوق العمل ومواكبته للمستجدات المعاصرة، وقد شملت هذه التحديثات محاور متعددة، أبرزها:
تضمنت لائحة نظام العمل الجديد عدد ساعات العمل في السعودية بحيث لا تتجاوز 8 ساعات يوميًّا، أو 48 ساعة أسبوعيًّا -باستثناء العمل الإضافي.
كما تخفض ساعات العمل في شهر رمضان للمسلمين بحيث لا تتجاوز 6 ساعات يوميًّا أو 36 ساعة أسبوعيًّا، وفي كلا الحالتين تكون أيام العمل 5 أو 6 أيام في الأسبوع وفقًا لسياسة الشركة.
ويجوز زيادة ساعات العمل إلى 9 ساعات يوميًّا لموظفين محددين أو في مهن معينة لا تتطلب عملًا مستمرًّا، كما يجوز تخفيضها إلى 7 ساعات يوميًّا في حالة الوظائف الخطرة أو الضارة بالصحة، ويتم تحديد هذه الفئات والمهن بقرار من الوزير المختص.أما في أماكن العمل التي يعمل فيها الموظفون بنظام المناوبات، فيسمح لصاحب العمل بتعديل ساعات العمل بشرط الالتزام بالشروط التالية:
تتناول هذه المادة طريقة شائعة في سوق العمل، وهو أن تقوم شركة "صاحب العمل الأصلي" بتوكيل جزء من عملها لشركة أخرى "مقاول من الباطن"، وتحدد المادة 11 المعدلة بوضوح قاعدة مهمة لحماية حقوق العامل في هذه الحالة، على النحو التالي:
على المقاول من الباطن "سواء كان فردًا أو شركة" أن يمنح عماله كافة الحقوق والمزايا نفسها التي يمنحها صاحب العمل الأصلي لعماله، وهذا يعني ألا يمكن له أن يدفع رواتب أقل أو يقدم مزايا أقل بحجة أنه يعمل بأسعار منخفضة، لأن الحقوق ثابتة بغض النظر عمن يدفع الراتب مباشرة.
تهدف هذه المادة إلى منع الاستغلال من خلال خفض تكاليف العمال على حساب حقوقهم الأساسية، وضمان معاملة جميع العاملين في مشروع واحد بالعدل حتى لو اختلف من يدفع لهم مباشرة.
وتشير المادة 11 مكرر، إلى أن مثل هذه القواعد تهدف إلى تحسين أداء سوق العمل من خلال وضع معايير عادلة تمنع المنافسة غير الشريفة القائمة على انتهاك حقوق العمال.
تشير المادة ١١ من نظام العمل أيضًا إلى المسؤولية التضامنية وهي العنصر الأهم في حماية حقوق العامل، وتعني أن صاحب العمل الأصلي، والمقاول من الباطن مسؤولان معًا وبشكل مشترك عن توفير جميع حقوق ومزايا العمال، ولا يمكن لأي منهما أن يتهرب من مسؤوليته.
في هذه الحالة يمكن للعامل الذي لم يتقاضى راتبه أو تم إنهاء خدماته دون تعويض أن يقاضي صاحب العمل المباشر أو صاحب العمل الأصلى في نفس الوقت ويطالب بكامل مستحقاته.
تعد المسؤولية التضامنية بين صاحب العمل الأصلي والمباشر ضامنًا قويًّا لحماية حقوق العامل، حيث تمنحه حمايةً مزدوجة من خلال تعدد الجهات التي يمكنه الرجوع إليها لاستيفاء حقوقه، مما يعزز فرصه في الحصول عليها بشكل فعلي.
كما تحفز هذه المادة صاحب العمل الأصلي ليبذل العناية الواجبة في اختيار مقاوليه والتحقق من التزامهم الكامل بأنظمة العمل، إذ أن أي تقصير من قبل المقاول يجعل المسؤولية مشتركة بين الطرفين، وبالتالي يخلق بيئة عمل قائمة على الرقابة الذاتية. والأهم من ذلك، تكريس مبدأ المسؤولية الأخلاقية التضامنية، حيث يعترف النظام بأن صاحب العمل الأصلي يستفيد -ولو بشكل غير مباشر- من جهود العامل، مما يجعله شريكًا في مسؤولية حمايته وضمان حقوقه، تحقيقًا للعدالة وتعزيزًا لاستقرار علاقات العمل.
من المؤكد أن تحديثات نظام العمل الجديد هي فرصة فريدة لتحسين الكفاءة التشغيلية وبناء بيئة عمل تنافسية، ولكن كيف تستعد الشركات السعودية لمواكبة هذه التحديثات؟ قد تواجه الشركات مجموعة من التحديات عند تطبيق هذه التعديلات، منها على سبيل المثال: التعقيدات القانونية والتعرض لمخاطر المخالفات، وزيادة التكاليف التشغيلية، وارتفاع معدل دوران العمالة، والتكيف مع استخدام المنصات الإلكترونية، ومع ذلك يساهم نظام العمل الجديد في منح هذه الشركات فرصًا كبيرة للنمو في السوق السعودي.
مثال ذلك: العمل عن بعد والعمل المرن الذي يساهم في خفض التكاليف التشغيلية واستقطاب الكفاءات من مختلف المناطق الجغرافية، والوضوح التشريعي في حقوق كل من صاحب العمل والموظف الذي يساهم بشكل مباشر في تقليل النزاعات العمالية، وتوفير وقت وإمكانيات الشركة والحفاظ على سمعة المؤسسة.
يمكن للشركات اتباع الخطوات التالية لتحويل التحديات إلى فرص والامتثال بفعالية لنظام العمل الجديد على النحو التالي:

ويتضمن ذلك إجراء المراجعة الشاملة لعقود العمل الحالية وسياسات الموارد البشرية بما في ذلك: ساعات العمل، والإجازات، والعمل الإضافي، وتحديثها لتتوافق بشكل كامل مع أحكام النظام الجديد، مع تدريب فريق الموارد البشرية والإدارة على هذه التغييرات لضمان الفهم الصحيح والتطبيق المتسق عبر جميع أقسام الشركة.
أصبح التكامل مع الأنظمة الإلكترونية الحكومية أمرًا لا غنى عنه للإدارة الحديثة، لذا يجب على الشركات استخدام منصات مثل "قوى" و"أبشر" بشكل فعال لإدارة علاقات العمل بدءًا من التوظيف وحتى إنهاء الخدمات لضمان دقة السجلات والامتثال الفني.
لا يمكن ترك الأمور القانونية للاجتهاد الشخصي، لذا يعد التعاون مع مكتب محاماة متخصص في أنظمة العمل السعودية استثمارًا يحمي الشركة من تكبد الغرامات المالية والمشاكل القانونية المحتملة، ويحقق مستوى عالي من الأمان والاطمئنان بأن كافة الإجراءات القانونية سليمة.
ويتحقق ذلك من خلال توفير مزايا تنافسية وفرص للتطوير المهني واعتماد نماذج عمل مرنة تناسب تطلعات الجيل الجديد من القوى العاملة.
على أي حال، يؤكد المتخصصون القانونيون أن الاستعداد لتحديثات نظام العمل الجديد في السعودية هو ضرورة استراتيجية، وأن الشركات التي تتبنى هذه التغييرات بشكل استباقي لا تتفادى المخاطر فحسب، بل تضع نفسها في مكانة متقدمة للاستفادة من الفرص التي تصنعها رؤية 2030 محققة النمو والاستقرار في سوق العمل السعودي. إذا كنت تسعى إلى حماية أعمالك من المخاطر القانونية، وإدارة النزاعات العمالية وضمان التوافق الكامل مع تحديثات نظام العمل الجديد في السعودية، فإن التعاون مع مكتب سهل للمحاماة هو الحل الأمثل. نقدم لك حزمة خدمات قانونية متكاملة، تشمل:
نضع بين يديك خبرات طويلة ومتنوعة على المستوى المعرفي والمهني، تضمن لشركتك امتثالًا آمنًا وتوسعًا دون عوائق قانونية.
ارسل لنا تفاصيل طلبك "RFP/RFQ"، وسيتولى فريقنا المختص دراسته والرد عليك في أقصر وقت.
