8 قراءة دقيقة
16 Dec
16Dec

تحفز الاستثمارات الأجنبية عملية النمو الاقتصادي في المملكة، وتنقل التكنولوجيا وتخلق فرص العمل، وفي المقابل توفر للمستثمرين فرصًا للتوسع وتحقيق عوائد أعلى في أسواق واعدة.وبصفتك مستثمرًا أجنبيًّا، فأنت لا تدخل فقط إلى سوق جديدة، بل تتعامل مع نظام قانوني مختلف، قد يحمل في طياته تحديات غير متوقعة.

وهنا يأتي دور المحامي ليقوم بمهامه في تحويل المخاطر المجهولة إلى مسارات يمكن إدارتها والسيطرة عليها.من المهم أن تتذكر أن مهمة المحامي لا تبدأ عند وقوع النزاع، بل من اللحظة الأولى التي تخطط فيها لدخول السوق، حيث يضمن لك أن يكون بناء مشروعك متوافقًا مع متطلبات نظام الاستثمار الأجنبي في السعودية.

ولمزيد من التوضيح، نحاول في هذه السطور إلقاء الضوء بشيء من التفصيل حول دور المحامي في حماية الاستثمارات الأجنبية في السعودية من مختلف أنواع النزاعات التي قد تتعرض لها.

الاستثمار الأجنبي

 أهداف نظام الاستثمار في المملكة العربية السعودية

يهدف نظام الاستثمار الأجنبي في السعودية إلى تهيئة بيئة استثمارية منظمة وفعالة، تتيح تدفق رؤوس الأموال المحلية والأجنبية بسلاسة، كما يهدف إلى تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة من خلال جذب استثمارات نوعية متطورة، تساهم في نقل الخبرات والتقنيات الحديثة، وتخلق فرص عمل جديدة، وتعزز القدرة التنافسية للسوق المحلي.

المستثمر الأجنبي

هو أي فرد أو شركة غير سعودية، يقرر استثمار أمواله في مشروع داخل المملكة، بهدف تحقيق ربح أو عائد مادي من هذه الاستثمارات.وقد ينشط هذا المستثمر في مجالات متنوعة مثل: التجارة أو الصناعة أو العقارات، مستفيدًا من الفرص الكبيرة التي يوفرها الاقتصاد السعودي. 

ومع ذلك، يتعين عليه أن يتبع كافة القوانين المنصوص عليها في نظام الاستثمار الأجنبي في السعودية، وأن يحصل على كافة التراخيص المطلوبة من الجهات الرسمية قبل أن يبدأ مشروعه على أرض الواقع.

أشكال الاستثمار الأجنبي في السعودية

تتنوع أشكال الاستثمارات الأجنبية في المملكة العربية السعودية، لتلائم مختلف احتياجات المستثمرين ورؤوس الأموال، وفي مقدمة هذه الأشكال الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يسمح للمستثمر بتملك المشروع بالكامل في العديد من القطاعات. 

هناك أيضًا خيار إقامة شراكة بين المستثمر الأجنبي ونظيره السعودي وهي أحد الأشكال البارزة، حيث يتم فيها الدمج بين رأس المال الأجنبي والمعرفة المحلية.

وبخلاف ذلك، يمكن للشركات الأجنبية فتح فرع لها داخل المملكة مع الالتزام بالشروط المحددة لهذا الغرض، كما توجد صيغة المكاتب التمثيلية أو الفنية التي تتيح للشركات الأجنبية وجودًا في السوق السعودي لأغراض غير تجارية مثل التسويق ودراسة السوق.

تشكل هذه الخيارات معًا بيئة جاذبة تتيح للمستثمر دخول السوق بالشكل الذي يتناسب مع أهدافه وميزانيته.

ضمانات المستثمر الاجنبي في النظام السعودي

من مميزات المملكة العربية السعودية أنها بيئة جاذبة لـ الاستثمارات الأجنبية بفضل الضمانات القانونية القوية التي تقدمها، حيث يضمن النظام للمستثمرين الأجانب حقوقًا متكاملة تحمي استثماراتهم وتدعم نجاحهم في السوق السعودي، وهي على النحو التالي:

  1. حق المستثمر الأجنبي في معاملة مماثلة لنظيره السعودي في نفس الظروف والنشاط، لضمان منافسة عادلة في السوق.
  2. المعاملة العادلة والمنصفة للمستثمر الأجنبي وحمايته من أي إجراءات تعسفية أو تمييزية قد تؤثر سلبًا على استثماره.
  3. حماية ملكية المستثمر الأجنبي من مصادرة استثماراته كليًّا أو جزئيًّا إلا بموجب حكم قضائي نهائي، لضمان تحقيق درجة عالية من الحماية القانونية.
  4. الحق في إدارة استثماراته والتصرف فيها وفقًا للقانون وتملك جميع الممتلكات اللازمة لممارسة نشاطه الاستثماري.
  5. عدم نزع ملكية استثماراته إلا في حالات المصلحة العامة حصرًا، وفق إجراءات قانونية واضحة، مع دفع تعويض عادل وسريع.
  6. الحق في تحويل أمواله من رأس المال والأرباح وعائدات البيع إلى خارج المملكة دون عوائق بالعملة التي يختارها.
  7. توفير حماية فعالة للملكية الفكرية، بما في ذلك الابتكارات والأسرار التجارية والأصول غير الملموسة التابعة للمستثمر الأجنبي.
  8. تسهيل الإجراءات وتقديم الدعم اللازم للمستثمر الأجنبي خلال ممارسة نشاطه الاستثماري.
  9. تقديم البيانات الإحصائية والمعلومات اللازمة، وتوفير قنوات واضحة وشفافة لتلقي الشكاوى والعمل على حلها.

دور المحامي في حماية الاستثمارات الأجنبية من النزاعات 

ينقسم دور المحامي في حماية الاستثمارات الأجنبية من النزاعات على النحو التالي:

الدور الوقائي: قبل حدوث النزاع

ويتمثل في عملية المراجعة والفحص القانوني الشامل، وهي الخطوة الأولى التي تحدث الفرق بين النجاح والوقوع في متاهات النزاعات.لا تقتصر هذه العملية على مجرد الاطلاع السطحي على القوانين، بل تقوم على إجراء تحليل شمولي للبيئة التشريعية والتنظيمية، بما في ذلك قوانين الاستثمار والضرائب والعمل والملكية الفكرية، بهدف تحديد الثغرات والمخاطر الكامنة قبل استحكامها، ويتم ذلك من خلال:

  1. تقديم شرح مفصل لـ نظام الاستثمار الأجنبي في السعودية والأنظمة المرتبطة بها مثل: نظام الشركات ونظام العمل ونظام الضرائب والمنافسة.
  2. توضيح التطورات التشريعية المتسارعة في المملكة وتأثيرها على الاستثمار، وتسليط الضوء على التزام المملكة بتحسين مناخ الأعمال.
  3. التحقق من السجلات التجارية للشركاء في وزارة التجارة وسمعتهم في السوق المحلي لضمان موثوقيتهم.
  4. صياغة العقود على اختلاف أنواعها بما يتوافق مع الأنظمة السعودية.
  5. تضمين بند الوساطة والتحكيم بشكل واضح ضمن آليات تسوية المنازعات، مع تحديد القواعد والإجراءات المتبعة ومراعاة شروط تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية وفقًا للنظام السعودي.
  6. تقديم المشورة حول الشكل القانوني الأنسب للاستثمار، بناءً على طبيعة النشاط والمزايا التي يقدمها كل شكل، مع مراعاة شروط ومتطلبات كل منها.
  7.  توجيه المستثمر للاستفادة من الحوافز والضمانات التي يقدمها النظام السعودي، وضمان استيفاء الشروط للحصول عليها. 
  8. استخدام معرفة المحامي السعودي بالإجراءات النظامية والجهات المختصة مثل وزارة التجارة، وزارة الاستثمار، وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتسهيل الحصول على التراخيص اللازمة بسلاسة.
  9. ضمان أن أي وعود أو حوافز مقدمة من جهة حكومية تكون مكتوبة وموثقة بشكل قانوني ملزم لتجنب أي تراجع مستقبلي.
  10.  إطلاع المستثمر بشكل مستمر على أي تعديلات في الأنظمة واللوائح السعودية وآثارها على استثماره.
  11.  تقديم استشارات دورية لضمان استمرار امتثال الشركة لكافة المتطلبات النظامية، مما يقيها من غرامات أو عقوبات قد تؤدي إلى نزاعات.

الدور التفاوضي والإداري: إدارة العلاقة مع الجهات الرسمية

يتضمن الدور الاستباقي للمحامي الإجراءات التالية:

  1. التفاوض على أفضل الشروط وضمان الامتثال المستمر لها، وبالتالي تحويل العلاقة مع الجهات الرسمية والرقابية من مصدر محتمل للنزاع إلى شريك داعم لاستقرار الاستثمار.
  2. القيام بدور الوسيط القانوني مع الجهات الحكومية المعنية للتفاوض على الحصول على أقصى المزايا المتاحة، مثل الإعفاءات الضريبية المؤقتة أو الدعم في الحصول على تراخيص البناء والتصنيع.
  3. الحرص على أن يتم توثيق جميع هذه الحوافز والاتفاقيات في خطابات رسمية أو عقود ملزمة من الجهة المانحة، لتحويلها إلى حقوق قانونية يمكن الرجوع إليها.
  4. المراجعة الدقيقة لبنود وشروط منح الحوافز بدقة لتجنب أي التزامات خفية قد تؤدي إلى سقوط الحق في الحوافز أو المطالبة باستردادها في المستقبل.
  5. مراقبة التحديثات التي قد تطرأ على نظام الاستثمار الأجنبي في السعودية والأنظمة ذات الصلة بها بشكل مستمر لتنبيه المستثمر لآثارها المباشرة على نشاطه.
  6. إجراء مراجعات دورية لأنشطة الشركة للتأكد من مطابقتها للأنظمة، والكشف الاستباقي عن أي مخالفات محتملة ومعالجتها قبل أن تتحول إلى أي من أنواع النزاعات أو العقوبات.
  7. بناء قنوات اتصال مع الجهات الرقابية بما في ذلك: الهيئة العامة للزكاة والدخل ووزارة الموارد البشرية لتوضيح الالتزامات وأي غموض في تفسير اللوائح والنصوص لمنع تراكم المخالفات غير المقصودة.

الدور الدفاعي: تسوية المنازعات وحماية الاستثمارات الأجنبية 

وفي هذه المرحلة، يبدأ المحامي المتخصص في أولى خطواته الاستراتيجية لـ تسوية النزاعات قبل تفاقمها حتى لا تنتهي عند أبواب المحاكم، وذلك من خلال:

تسوية المنازعات وحماية الاستثمارات الأجنبية
  1. الوساطة والتفاوض وهي آليات مناسبة لتسوية النزاع خارج أروقة القضاء بتكلفة وزمن أقل، مع التركيز على تقييم فرص النجاح وإدارة المفاوضات بفعالية.
  2. التحكيم الدولي، وهي آلية تساهم بقوة في حماية الاستثمارات الأجنبية حال انتهاك حقوقها، وتتطلب التحرك السريع في صياغة الطلب واختيار المحكمين وإدارة العملية باحتراف لضمان الحصول على حكم عادل ومنفذ دوليا.
  3. التقاضي في المحاكم المحلية، وهي آخر الحلول الممكنة والتي تتطلب فهمًا جيدًا للنظام القضائي وبناء استراتيجيات دقيقة للتغلب على التحديات مثل التحيز المحتمل أو البطء الإجرائي.

تمثل هذه المراحل الثلاث أدوات متكاملة في مواجهة النزاعات، والاختيار الاستراتيجي بينها أو دمجها هو ما يحدد في النهاية مصير الاستثمار وحمايته. 

المواصفات المطلوبة للمحامي المتخصص في حماية الاستثمارات الأجنبية

عند اختيار المستشار القانوني لحماية استثماراتك الأجنبية في المملكة، يوصى بالاعتماد على محامي يتمتع بمجموعة من المؤهلات الأساسية، وعلى رأسها:

  1. توفر خبرة علمية وعملية كافية بالأنظمة ذات الصلة بـ الاستثمارات الأجنبية، وأبرزها نظام الاستثمار الأجنبي في السعودية ونظام الشركات، واللوائح التنفيذية لهما، والأنظمة الضريبية والجمركية والعقارية، واللوائح الخاصة بالهيئات التنظيمية مثل هيئة السوق المالية وهيئة المنافسة.
  2. توفر خبرات عملية ملموسة في تمثيل عملاء أجانب أمام الجهات القضائية والإدارية السعودية، بما في ذلك الخبرة في صياغة العقود والاتفاقيات بما يتوافق مع المتطلبات النظامية المحلية وإدارة ملفات التحكيم المحلي والدولي، فضلًا عن تسوية المنازعات عبر آليات مثل الوساطة والتفاوض.
  3.  توفر الخلفية المعرفية الكافية للسياق الثقافي والبيئة التجارية في المملكة، وإتقان اللغة الإنجليزية بطلاقة، والقدرة على التواصل الواضح والمهني، لضمان المتابعة الدقيقة للملف وتقديم تقارير مفصلة وواضحة تمكن المستثمر من اتخاذ القرارات المدروسة في بيئة تتسم بالشفافية والثقة الكاملة.

 في النهاية، نؤكد على أن دور المستشار القانوني المتخصص لا يقتصر على تسوية النزاعات في حماية الاستثمارات الأجنبية في المملكة العربية السعودية، بل يلعب دورًا محوريًّا في صون رأس المال وتمكين نموه. 

فالتكلفة الحقيقية التي يتكبدها المستثمر ليست في أتعاب الاستشارة القانونية الوقائية، بل في العواقب المالية والإجراءات التي تنتج عن إهمالها، حيث أن التوفير البسيط في البداية قد يؤدي إلى خسائر فادحة على المدى الطويل.

 لذا، فإن ضمان استثمار آمن ومستدام في المملكة يعتمد على شقين أساسيين هما الجدوى الاقتصادية، ووجود إطار قانوني متين، حيث يصبح المحامي المتخصص العنصر الجوهري لتحقيق هذه الغاية، فهو الضامن لسلامة رحلة الاستثمارات الأجنبية في المملكة منذ لحظة التأسيس وحتى تحقيق الأرباح.



تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.