11 قراءة دقيقة
07 Dec

لا يعد التهرب الضريبي في السعودية مجرد مخالفة مالية فحسب، بل هو تحدي يواجه ركيزةً أساسية من ركائز بناء مستقبل المملكة الاقتصادي.

وفي ظل رؤية 2030، والتي تعتمد على تنويع الإيرادات وبناء اقتصاد قوي، يبرز سؤال مصيري: كيف يمكن حماية هذه الإيرادات من الاستنزاف؟

هنا يأتي دور الهيئة العامة للزكاة والدخل على الرقابة فحسب، والتي تسعى جاهدةً إلى تطوير استراتيجيات متكاملة لمكافحة كافة أشكال التهرب الضريبي.

 تشمل هذه الاستراتيجيات فرض عقوبات رادعة على المخالفين، إلى جانب تعزيز آليات التبليغ عن حالات التهرب لضمان الشفافية والمشاركة المجتمعية.

سوف نناقش فيما يلي الكثير من القضايا ذات الصلة بهذا الشأن، مع توضيح أهم الفروق الجوهرية بين الازدواج الضريبي والتهرب الضريبي، مع تحليل لأبرز الحالات التي تم رصدها في الميدان. 

كما نستعرض ضمن مقالنا كيف تعد هذه الممارسة خرقًا للثقة المجتمعية وتقصيرًا في المسؤولية تجاه تحقيق الأهداف الوطنية، فتابع معنا.

 ماهو التهرب الضريبي؟

هو اختراق متعمد للعقد الاجتماعي الذي يربط الفرد أو المؤسسة بالدولة، حيث يلجأ المتهرب إلى استغلال ثغرات النظام أو تزوير الوقائع باستخدام أساليب ملتوية، بهدف إنكار الحق المالي الثابت للدولة.

لا يقتصر أثر هذه الجريمة على حرمان الخزينة العامة من مواردها فحسب، بل يتعداه إلى تآكل أسس العدالة بين أفراد المجتمع، حيث يتحمل الملتزمون وحدهم عبء تمويل مشاريع التنمية والخدمات الأساسية، بينما يستفيد غير الملتزمين منها دون أن يتحملوا تكلفتها الحقيقية.

أنواع التهرب الضريبي في المملكة العربية السعودية

للتهرب الضريبي أنواع متعددة تتفاوت في درجة تعقيدها وجرأتها، ما بين الأساليب البدائية القائمة على الإخفاء المباشر للدخل، والأخرى الأكثر تطورًا، التي تستغل ثغرات النظام الضريبي نفسه، ومن هذه الأنواع:

  1.  التهرب المشروع

هو ممارسة مشروعة شكلًا تستند إلى استغلال ثغرات التشريع الضريبي أو غموض نصوصه، بهدف تفادي الالتزام بالضريبة دون مخالفة حرف النص القانوني. 

ورغم انتفاء الوصف الجرمي، فإن هذه الممارسة تتعارض مع المقصد التشريعي والسياسة الضريبية، مما يستوجب تدخل المشرع لسد الذرائع والثغرات لضمان تحقيق العدالة الضريبية.

  1.  التهرب غير المشروع

يتمثل في انتهاك المكلف للتشريع الضريبي باستخدام وسائل احتيالية صريحة، مثل إخفاء الدخل أو تزوية السجلات المالية، بهدف التهرب الكلي أو الجزئي من الضريبة المستحقة.

وتصنف هذه الممارسة كجريمة مالية تستوجب المساءلة القانونية والعقوبات الرادعة وفقًا لأنظمة المملكة العربية السعودية.

  1.  التهرب المحلي

وهو امتناع الخاضع للضريبة عن الوفاء بالتزاماته تجاه هيئة الزكاة والدخل في المملكة العربية السعودية، إما بالتحايل على النصوص القانونية، أو بالامتناع عن ممارسة الأنشطة التي تثير الالتزام الضريبي أساسا.

  1. التهرب الدولي

وهو قيام الخاضع للضريبة بتهريب أرباحه إلى خارج البلاد بشكل غير قانوني، بهدف تجنب دفع الضرائب المستحقة في دولته، ويشكل هذا النوع من التهرب تحديًا كبيرًا، حيث يتطلب تعاونًا دوليًّا لملاحقة ومكافحة تلك العمليات. 

أشكال التهرب الضريبي

تصنف هيئة الزكاة والدخل في المملكة العربية السعودية أشكال التهرب الضريبي على النحو التالي:

  1. عدم التسجيل الضريبي لدى الهيئة ضمن الفترة المحددة نظامًا.
  2. التأخير في تقديم الإقرار الضريبي عن الموعد المحدد.
  3. مخالفة أحكام النظام الضريبي ولوائحه التنفيذية.
  4. تزوير المستندات المقدمة للهيئة.
  5. عدم الاحتفاظ بالفواتير والمستندات المحاسبية.
  6. عرقلة عمل موظفي الهيئة أثناء ممارسة مهامهم الرقابية.

وقد تم تحديد عقوبات مالية متناسبة مع كل مخالفة لضمان الالتزام وتعزيز نزاهة النظام الضريبي في المملكة.

أركان جريمة التهرب الضريبي في السعودية 

يعد التهرب الضريبي في السعودية جريمة كاملة الأركان، تستند في تكوينها إلى ثلاثة أركان أساسية:

أولها: الركن القانوني الذي يستند إلى وجود نصوص صريحة في نظامي ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة تجرم هذا الفعل وتحدد عقوباته. 

وثانيها: الركن المادي المتمثل في السلوك الإجرامي الفعلي للمكلف، من خلال أفعال مادية كإخفاء الدخل أو تزوير السجلات، مما يؤدي إلى نتيجة ضارة بخزينة الدولة مع وجود علاقة سببية بين السلوك والنتيجة.

وثالثها: الركن المعنوي الذي يتطلب توافر القصد الجنائي والعلم لدى المكلف بأن أفعاله تشكل مخالفة للنظام. تشكل هذه الأركان معًا الجريمة الضريبية الكاملة التي توجب المساءلة القانونية.

كيفية التبليغ عن التهرب الضريبي السعودية

تتم عملية التبليغ عن التهرب الضريبي السعودية إلكترونيًّا عبر البوابة الإلكترونية للزكاة والدخل، باتباع الخطوات التالية:

  1. تسجيل الدخول إلى البوابة الإلكترونية للزكاة والدخل.
  2. اختيار قسم "التبليغ" ضمن القائمة الرئيسية.
  3. اختيار "تقديم بلاغ".
  4.  تحديد التصنيف المناسب للبلاغ.
  5.  تعبئة البيانات المطلوبة بدقة في النموذج المخصص.
  6. مراجعة المعلومات والبيانات التي تم إدخالها والتأكد من صحتها.
  7. إرسال البلاغ.

الفرق بين الازدواج الضريبي والتهرب الضريبي 

يمثل الازدواج الضريبي وضعًا قانونيًّا يخضع فيه المكلف لضريبة متماثلة على نفس الوعاء الضريبي مرتين، مما يستدعي علاجًا عبر الاتفقيات الدولية أو الأحكام المحلية لتجنب آثاره.بينما التهرب الضريبي في السعودية هو فعل غير مشروع يتضمن -كما ذكرنا سابقًا- تحايلًا متعمدًا على الالتزامات الضريبية باستخدام أساليب مخالفة للنظام، وهو ما يعاقب عليه القانون بغرامات مالية وتدابير رادعة وفقًا لأنظمة الهيئة العامة للزكاة والدخل. 

تفاصيل عقوبات التهرب الضريبي في السعودية

بعد توضيح أنواع وأشكال التهرب الضريبي في المملكة، من البديهي أن نوضح العقوبات القانونية المترتبة على ذلك، وهي على النحو التالي:

  1. غرامة بقيمة الضريبة كاملة، وقد تصل إلى 3 أضعاف قيمة المعاملة في حال التهرب من دفع الضريبة.
  2. غرامة 50% من الفرق بين ما دفعته وما كان يجب عليك دفعه، في حال قدمت إقرارًا ضريبيًّا خاطئًا.
  3. غرامة تتراوح بين 5% إلى 25% من قيمة الضريبة المستحقة في حال التأخير في تقديم الإقرار.
  4. غرامة 5% من قيمة الضريبة في حال التأخر في سدادها.
  5. غرامة قد تصل إلى 100000 ريال في حال إصدار فواتير مع عدم التسجيل في النظام الضريبي.
  6. غرامة تصل إلى 50000 ريال عن كل فترة في حال عدم الاحتفاظ بالفواتير والمستندات.
  7. في حال تكرار مخالفة التهرب الضريبي في السعودية خلال ثلاث سنوات، يحق للقاضي مضاعفة الغرامة المقررة.

 وفي حال فرضت عليك غرامة بسبب التهرب الضريبي، فإنه يحق لك الاعتراض عليها وفقًا للنظام، وأمامك مهلة 30 يومًا فقط من تاريخ إخطارك بالغرامة لتقديم اعتراضك رسميًّا.

وإذا لم تتقدم باعتراضك خلال هذا الشهر، ستصبح الغرامة نهائية، ولا يمكن الطعن عليها بعد ذلك، لذا ننصحك بالتحرك فورًا وعدم تأخير رفع التظلم لحماية حقوقك.  

أمثلة نموذجية من واقع حالات التهرب الضريبي في السعودية 

تظهر البيانات الصادرة عن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك في المملكة العربية السعودية حجم الجهد المبذول في اعتماد كافة طرق مكافحة التهرب الضريبي، حيث تم كشف أكثر من 8000 مخالفة ضريبية وجمركية خلال عام 2023. 

وتتنوع أشكال هذه المخالفات بين التهرب من ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية، ومخالفات تتعلق بالإقرارات الضريبية والفواتير الإلكترونية.

ومن أبرز حالات التهرب الضريبي التي تم ضبطها: تقديم شركات لإقرارات ضريبية مضللة تحتوي على بيانات مالية غير صحيحة، وإخفاء إيرادات فعلية عبر أنظمة محاسبية مزدوجة، وإصدار فواتير وهمية بهدف تخفيض الالتزام الضريبي أو الحصول على استردادات ضريبية بشكل غير مشروع، إضافة إلى التلاعب بالبيانات الجمركية لتقليل الرسوم المستحقة.

وهذا يؤكد فعالية الأنظمة الرقابية المتطورة التي تعتمدها الهيئة، كما يعكس التزام المملكة الثابت بضمان العدالة الضريبية، وحماية الاقتصاد الوطني من الممارسات غير المشروعة، وتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة المالية. 

لماذا يلجأ البعض إلى جرائم التهرب الضريبي في السعودية؟

تشكل أسباب التهرب الضريبي محورًا أساسيًّا لفهم هذه الآلية ووضع الحلول الناجحة لها. 

وتكمن جذور المشكلة في منظومة متشابكة من الثغرات النظامية والتحديات الثقافية التي تستدعي تحليلًا دقيقًا لاستيعاب أبعادها الحقيقية وآثارها على الاقتصاد الوطني، ومن أهم هذه الأسباب:

  1. مواجهة بعض المكلفين صعوبات في فهم متطلبات النظام الضريبي السعودي الحديث نسبيًّا، خاصةً مع تعدد التعديلات على اللوائح التنفيذية.
  2. اختلاف تفسير بعض النصوص بين المكلفين والهيئة، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء نزاعات ضريبية، مما يدفع بعضهم للتهرب بدلًا من الدخول في منازعات قانونية طويلة.
  3. شكوى بعض الملتزمين ضريبيًّا من منافسة القطاع غير الرسمي الذي لا يدفع ضرائب، مما يضعهم في وضع اقتصادي صعب.
  4. التحديات المالية للشركات الناشئة، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية المتقلبة، حيث تصبح الالتزامات الضريبية عبئًا ثقيلًا على بعض المنشآت الصغيرة.
  5. لا يزال بعض أفراد المجتمع يحتاجون إلى وقت للتعايش مع الثقافة الضريبية التي كانت شبه معدومة في السابق.
  6. جهل بعض المكلفين بالتبعات الجزائية الخطيرة للتهرب الضريبي في النظام السعودي.
  7. وجود فجوة تقنية بين بعض المكلفين والهيئة، حيث يستخدم البعض وسائل تقنية معقدة لإخفاء عملياتهم.
  8.  صعوبة تتبع بعض المعاملات عبر المنصات الإلكترونية الدولية.

 ومع ذلك، ينبغي أن ننوه بأن النظام السعودي أصبح متطورًا جدًّا في تتبع المخالفات، وأن الغرامات المالية قد تصل إلى ثلاثة أمثال قيمة الضريبة المتهرب منها، فضلًا عن العقوبات الجزائية التي قد تشمل الحبس في بعض الحالات.

لماذا نكون شريكك القانوني في المنازعات الضريبية؟

في بعض الأحيان، تصبح التحديات الضريبية أحد أبرز المخاطر التي تهدد استقرار منشأتك وأعمالك التجارية، وفي هذا السياق يكون القرار الأمثل في التعاون مع محامي معتمد في المملكة العربية السعودية، لديه خبرات معرفية فيما يتعلق بأنظمة الزكاة والضريبة والجمارك، وتجربة مهنية قوية في إدارة ملفات التهرب الضريبي في السعودية بكل تعقيداتها.

نقدم لك في مكتب سهل للمحاماة استشارات قانونية متخصصة لتقييم موقفك وتحديد أفضل مسارات الدفاع، سواء عبر التسويات أو المنازعات القضائية.

ونضع بين يديك خطة عمل مفصلة وواضحة من لحظة استلام قرار الغرامة حتى الحصول على حكم نهائي، مع ضمان المتابعة الدقيقة لمواعيد التظلم ورفع الدعاوى، وإعداد مستندات قانونية محكمة تحقق أعلى معايير الحماية.

 ثق بأن خبرتنا ستكون حاجزك الأقوى ضد أي قرار غير مبرر، واستثمر في علاقة تضع مصلحتك فوق كل اعتبار.. اتخذ قرارك اليوم نحو تعاون يمنحك الطمأنينة ويحفظ حقوقك.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.