الحوكمة الإلكترونية "E-Governance" هي مفهوم متطور يدمج بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمبادئ الأساسية للحوكمة التقليدية.
يهدف هذا المفهوم إلى إحداث تحول شامل في طريقة عمل الحكومات والمؤسسات.
ولا يقتصر دوره على مجرد أتمتة الإجراءات والخدمات الحكومية، بل يحدث تحولًا جذريًّا في ديناميكيات العلاقة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين من جهة، وبين القطاعات الحكومية المختلفة فيما بينها من جهة أخرى.
فـ ماهي الحوكمة الالكترونية؟ وما أهدافها؟ وتأثيرها على أداء المؤسسات؟ هذا ما سوف نشرحه بالتفصيل في السطور التالية.
هي ببساطة، استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الإنترنت والهواتف الذكية، لتسهيل عمل الحكومات والمؤسسات وتحسين علاقتها بالمواطنين.
فبدلًا من الذهاب إلى المباني الحكومية أو الخاصة، وإنهاء المعاملات الورقية المعقدة، يمكنك إتمام الكثير من المهام من منزلك عبر الإنترنت.
يمكنك على سبيل المثال، دفع فواتير الخدمات، أو تجديد رخصة القيادة، أو حتى تقديم شكوى، وكل ذلك من خلال منصات إلكترونية آمنة.
تهدف الحوكمة الإلكترونية في الأساس إلى جعل الخدمات المقدمة للمواطنين أسرع وأسهل وأكثر شفافية، كما أنها تساهم في تقليل الفساد وتشجع على مشاركة الناس في القرارات الحكومية بشكل أكبر.
يتمثل الفرق بين مصطلحي "الحوكمة الإلكترونية" والحكومة الإلكترونية" في طبيعة التفاعل والهدف.
فالحكومة الإلكترونية هي أداة إدارية أحادية الاتجاه تهدف إلى تحسين أداء الخدمات الحكومية وتقديمها عبر الوسائل الرقمية.
أما الحوكمة الإلكترونية، فهي مفهوم أوسع وأشمل، ونظام تفاعلي ثنائي الاتجاه يعيد هيكلة علاقة الحكم بين الجهة الحاكمة والمحكومين.
وترتكز الحوكمة الإلكترونية على إدارة وتنظيم استخدام التكنولوجيا لضمان الشفافية، ومكافحة الفساد والوصول الفعال إلى المستفيد النهائي، والمساءلة من خلال أنظمة استجابة تلقائية.
يجب أن تتميز الأنظمة والخدمات الإلكترونية الحكومية بسهولة الاستخدام، من خلال تبسيط الإجراءات القانونية والإدارية، لضمان وصول سلس وفعال للمواطنين والمستفيدين دون تعقيدات غير ضرورية.
تتطلب الحوكمة الإلكترونية توفير جميع البيانات والمعلومات ذات الصلة بالوظائف والعمليات الحكومية بشكل إلكتروني، الأمر الذي يعزز مبادئ الشفافية والمساءلة العامة أمام المواطنين.
من مبادئ الحوكمة الالكترونية دمج أحدث التقنيات المعلوماتية في الأجهزة الحكومية، بهدف رفع كفاءة الأداء وجودة الخدمات المقدمة في الجوانب السياسية والإدارية.
يساهم تبسيط الإجراءات وتسهيلها إلكترونيًّا في تسريع وتيرة العمليات الإدارية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة سرعة الاستجابة لطلبات المواطنين واحتياجاتهم بشكل فعال.
يتضمن هذا المبدأ وضع معايير وأدوات محددة لقياس الأداء بشكل دوري، لضمان جودة وكفاءة الأنظمة الإلكترونية المستخدمة في إدارة المعلومات وتقديم الخدمات.
تتمثل أهم فوائد الحوكمة الإلكترونية فيما يلي:
تهدف نماذج الحوكمة الإلكترونية إلى تطوير الأداء الحكومي، وتتمثل أبرزها فيما يلي:
تعتمد الحوكمة الرقمية على توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتبسيط الإجراءات الإدارية وتجاوز التعقيدات الروتينية.
ويركز هذا النموذج على رقمنة الخدمات الحكومية لزيادة الكفاءة والشفافية، مما يتيح للمواطنين إنجاز معاملاتهم بسهولة ويسر.
يمثل نموذج الحكومة الذكية نقلة نوعية في الأداء الحكومي، حيث يعتمد على تقنيات متقدمة كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لاتخاذ قرارات استباقية ومحسنة.
وتستخدم هذه التقنيات لتحليل البيانات بشكل فوري، وإتاحة تقديم خدمات ذكية تتكيف مع احتياجات المستفيدين.
يرتكز هذا النموذج على تفعيل دور المواطنين وأصحاب المصلحة في عملية صنع القرار من خلال منصات رقمية آمنة.
ويهدف ذلك إلى تعزيز الديمقراطية المباشرة وضمان أن تعكس السياسات الحكومية احتياجات وتطلعات المجتمع بشكل دقيق.
يقوم هذا النموذج على جمع وتحليل البيانات الضخمة لاستخلاص رؤى دقيقة تدعم صناعة القرار الحكومي.
وهذا يساهم بدوره في تحسين الخدمات العامة وتخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية، ووضع سياسات مبنية على أدلة علمية وإحصائية دقيقة، وبالتالي تعزيز كفاءة الإدارة العامة.
تعتمد الحوكمة الإلكترونية على مجموعة متطورة ومتكاملة من التقنيات التي تعمل كبنية تحتية رقمية تمكن المؤسسات الحكومية من التفاعل مع المواطنين والقطاع الخاص ومؤسساتها الداخلية بفعالية وشفافية، ومن أبرز هذه التقنيات:
للحوكمة الإلكترونية الجيدة تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد الوطني، حيث تعمل على تحسين مناخ الاستثمار من خلال تعزيز الثقة واجتذاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
كما تساهم بشكل فعال في مكافحة الفساد بجميع أشكاله، مما يحسن تخصيص الموارد ويقلل الهدر.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز الحوكمة الكفاءة والإنتاجية داخل المؤسسات، وتحقق استقرارًا ماليًّا واقتصاديًّا، وتدعم التنمية المستدامة التي تراعي الأبعاد الاجتماعية والبيئية.
تمثل الحوكمة الإلكترونية ركيزة أساسية في رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وقد ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في تعزيز الأداء المالي على مستوى القطاعين العام والخاص.
على سبيل المثال: تم تطبيق أنظمة إلكترونية متكاملة مثل منصة ناجز لتساهم في خلق بيئة أعمال أكثر شفافية وكفاءة وموثوقية، خاصةً عند تقديم الخدمات وتيسير إجراءاتها التي قللت بشكل كبير من التكاليف التشغيلية والإدارية، وسرعت من عمليات اتخاذ القرار.
كما أن تعزيز الشفافية الإلكترونية يحد من الفساد والمخاطر المالية، ويدعم ثقة المستثمرين، وهو ما تؤكده تقارير البنك الدولي حول سهولة ممارسة الأعمال.
ووفقًا لدراسات محلية، فإن المؤسسات التي تتبنى ممارسات حوكمة رقمية قوية تسجل أداءً ماليًّا أفضل، من حيث العائد على الأصول وحقوق المساهمين، وذلك بسبب تحسين إدارة المخاطر، ورفع كفاءة تخصيص الموارد.
وبناءً على ما سبق، لم تعد الحوكمة الإلكترونية خيارًا ترفيًّا، بل أصبحت استثمارًا استراتيجيًّا يحقق عوائد ملموسة على الاستدامة المالية والتنافسية الاقتصادية للمملكة.