12 قراءة دقيقة
27 Apr
27Apr

تزداد أهمية حوكمة الشركات كإجراء لا غنى عنه في تحقيق النجاح والازدهار في مختلف المجالات، وتتجلى هذه الأهمية بصورة خاصة في القطاع الحكومي الذي يضطلع بدور حيوي في دفع عجلة التنمية المستدامة وضمان رفاهية المجتمع.

فلم تعد الحوكمة في القطاع الحكومي مجرد خيار، بل ضرورة ملحة لتمكين المؤسسات الحكومية من مواكبة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية.

وفي هذا السياق، تبرز رؤية المملكة العربية السعودية 2030 كمنارة تضيء الطريق نحو مستقبل أكثر ازدهارًا، حيث يحتل مفهوم الحوكمة ومبادئها والشفافية والمساءلة صدارة الأولويات في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاع الحكومي. 

يسلط هذا المقال الضوء على مبادئ الحوكمة في القطاع العام وأهميتها الجوهرية، ويستعرض أبرز التحديات التي تعترض سبل تطبيقها، ويستلهم الدروس القيّمة من نظام حوكمة الشركات لتحسين أداء القطاع العام وكفاءته.

ماهي الحوكمة؟

في البداية، يتعين علينا أن نوضح مفهوم الحوكمة ومبادئها بشكل عام، حيث يمكن تعريفها لغويًّا بـ "الإدارة الرشيدة" أما اصطلاحًا، فهي نظام متكامل من القواعد والآليات والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق الإدارة الرشيدة والفعالة للمؤسسات.

وترتكز الحوكمة على مجموعة من القيم الأساسية المتعارف عليها، وتتضمن:

  1. المساءلة الصارمة عن الأداء والإجراءات.
  2. الشفافية والإفصاح عن المعلومات بشكل واضح ومتاح.
  3. العدالة والإنصاف في التعامل مع جميع الأطراف المعنية.
  4. الفعالية والكفاءة في استخدام الموارد وتحقيق الأهداف.
  5. سيادة القانون والشرعية في جميع العمليات.
  6. المشاركة والمساهمة الفعالة لأصحاب المصلحة.
  7. السلوك الأخلاقي والنزاهة في جميع التعاملات.  

أهداف الحوكمة

يتمثل الهدف الأسمى من الحوكمة في القطاع العام في صيانة المال العام وحمايته باعتباره الركيزة الأساسية التي تعتمد الدولة في الاضطلاع بمسؤولياتها وتقديم خدماتها الحيوية للمواطنين، فالمال العام ليس مجرد مورد مالي، بل هو مسؤولية تقع على عاتق الحكومة لضمان توجيهه بكفاءة وفعالية نحو تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين في شتى المجالات سواء كانت خدمات صحية أو تعليمية أو اجتماعية أو غيرها.

أما عن أهداف الحوكمة الأخرى، فيمكننا إيجازها على النحو التالي:

  1. إيجاد معايير وقوانين ثابتة وعادلة تحكم عمل القطاع الحكومي، وتتميز بالشفافية والوضوح لضمان تطبيقها بنزاهة وموضوعية، ومنع أي تجاوزات أو انحرافات قد تضر بالمصلحة العامة.
  2. ضمان حقوق المواطنين في الحصول على خدمات حكومية متميزة تلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم.
  3. إتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة في صنع القرار والمساهمة في تطوير السياسات والخدمات الحكومية.
  4. تحقيق الاستدامة على المدى الطويل.
  5. تعزيز الثقة بين المؤسسة وأصحاب المصلحة.
  6. جذب الاستثمارات الضرورية للنمو والتطور.
  7. تحسين الأداء بشكل مستمر.
  8. إدارة المخاطر بكفاءة.
  9. حماية حقوق أصحاب المصلحة على اختلاف أنواعهم.
  10. تحقيق أهداف رؤية 2030، بما في ذلك التنويع الاقتصادي، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز مكانة المملكة إقليميًّا وعالميًّا.


يتضح لنا مما سبق أهمية حوكمة الشركات بجلاء في مختلف أنواعها سواء كانت خاصة أو عامة، ولكنها تكتسب أهمية مضاعفة في القطاع العام نظرًا لدوره المحوري في خدمة المجتمع وإدارة الموارد العامة والتي هي ملك للجميع.

أنواع الحوكمة في القطاع الحكومي

يمكن تصنيف أنواع الحوكمة في القطاع الحكومي على النحو التالي:

  1. الحوكمة المؤسسية، وتهدف إلى بناء هياكل تنظيمية قوية للمؤسسات الحكومية، وضمان الالتزام بالقوانين والمعايير، والتركيز على تحسين الإدارة الداخلية، ومتابعة أداء الإدارات والموظفين بشكل دوري لضمان تحقيق الأهداف بكفاءة وفاعلية، وتسيير العمليات الحكومية بمسؤولية وشفافية.
  2. الحوكمة المالية، وتركز على إدارة رشيدة للمال العام، وتوزيع عادل للميزانيات، وتهدف إلى شفافية الأموال العامة ورقابة الإنفاق.
  3. الحوكمة الإلكترونية، تعتمد التكنولوجيا الرقميّة لتطوير العمل الحكومي، بهدف زيادة الشفافية والكفاءة وتبسيط الخدمات للمواطنين، من خلال إنشاء منصات رقمية للخدمات وأنظمة لتتبع الأداء.
  4. الحوكمة البيئية، وتضمن الالتزام بالمعايير البيئية والمحافظة على الموارد الطبيعية في المشاريع الحكومية، وتهدف إلى الاستدامة البيئية وجودة الحياة من خلال تبني سياسات وإجراءات تحقق التوازن المستدام بين التنمية والبيئة.
  5. الحوكمة الاجتماعية، وتركز على تفاعل الحكومة الإيجابي مع المجتمع المدني لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتهدف إلى توفير خدمات اجتماعية منصفة ومشاركة المواطنين في صنع القرار، مؤكدةً أن الحكومة خادمة للمجتمع وأن مصلحة المواطنين هي الأولوية.


إن التكامل بين هذه الأنواع المتعددة للحوكمة هو ما يُشكّل في نهاية المطاف منظومة الإدارة الرشيدة في القطاع الحكومي، وكل نوع من هذه الأنواع يساهم بدور حيوي ومتميز في تحسين الأداء العام للمؤسسات الحكومية، وتعزيز الثقة المتبادلة بين الجمهور والحكومة.

كيف يمكن تطبيق مبادئ الحوكمة في القطاع الحكومي السعودي؟

بعد معرفة أهم أهداف حوكمة الشركات، يصبح من الأهمية بمكان التعرف على كيفية تطبيق مبادئها في القطاع الحكومي السعودي، وذلك على النحو التالي:

  1. التأكيد على أن الحوكمة في المملكة تستند إلى الشريعة الإسلامية والنظام الأساسي للحكم وأن سيادة القانون هي أساس الحكم الرشيد.
  2. توسيع نطاق الشفافية والإفصاح عن المعلومات في القطاع الحكومي، مع مراعاة الأمن الوطني والخصوصية، واستخدام التقنيات الحديثة في نشر المعلومات.
  3. تعزيز آليات المساءلة في القطاع الحكومي، وتحديد مسؤوليات واضحة لكل جهة وموظف، وتفعيل دور الجهات الرقابية والمحاسبية.
  4. تحسين كفاءة العمليات والإجراءات الحكومية، وتبني مؤشرات أداء لقياس وتقييم الأداء الحكومي، وترشيد الإنفاق العام.
  5. ضمان العدالة والمساواة في تقديم الخدمات الحكومية لجميع المواطنين والمقيمين، ومكافحة التمييز بجميع أشكاله.
  6. تفعيل قنوات التواصل مع المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، وإشراكهم في صنع القرار وتطوير الخدمات الحكومية، والاستماع إلى ملاحظاتهم ومقترحاتهم.
  7. ترسيخ قيم الأخلاق والنزاهة في العمل الحكومي، وتشديد العقوبات على المخالفات والتجاوزات.

أهم معوقات تطبيق الحوكمة في القطاع الحكومي 

لا يخلو الأمر من بعض التحديات التي تعترض عملية تطبيقات الحوكمة في القطاع الحكومي، وأهمها:

  1. مقاومة التغيير

والذي ينبع من قبَل الموظفين أو الأفراد العاملين، لشعورهم بالاستقرار والاطمئنان تجاه الوضع الراهن المعتاد والارتكان إلى منطقة الراحة التي يوفرها النظام الإجرائي المعتاد والخوف من المجهول.

ويمكن مواجهة هذا التحدي من خلال تبني تدابير استباقية تهدف إلى نشر الوعي وتعميق الفهم بشأن أهمية الحوكمة في القطاع العام، والفوائد المتوقعة التي ستعود على المؤسسة كوحدة متكاملة، والتي ستنعكس بدورها إيجابًا على جميع العاملين فيها.

  1.  شح الموارد المتاحة

يتطلب التطبيق الأمثل لمفاهيم الحوكمة في القطاع الحكومي تخصيص موارد متنوعة وكافية، بما في ذلك: الموارد المالية، والوقت الزمني، والجهود البشرية المبذولة، ولا يمكن تحقيق الحوكمة بصورة فعالة ومستدامة دون توفير هذه الموارد الضرورية بشكل ملائم.  

لذا، يتعين على المؤسسات التي تتطلع إلى تطوير وتعزيز هياكل الحوكمة لديها، أن تتحقق من توفير الاعتمادات المالية اللازمة، والتخصيص الزمني الكافي، وتعبئة الطاقات البشرية المؤهلة، بما يضمن استدامة الدعم لعمليات تطوير وترسيخ الحوكمة داخل المؤسسة.

  1. التفاوت في مستوى الالتزام الفردي

وهو أحد التحديات الجوهرية التي قد تعترض مسيرة تطبيق الحوكمة في القطاع الحكومي، فقد ينجم عن هذا التفاوت في الالتزام عدم الاتساق في المخرجات والنتائج المتحققة، والالتزام الفعال والكامل بمبادئ الحوكمة يشترط استيعابًا دقيقًا وشاملًا لكافة أبعاد هذه المبادئ ومضامينها.  

لذا، تبرز الحاجة إلى تنظيم برامج تدريبية وتوعوية مُهيكلة تستهدف الموظفين وكافة الكوادر العاملة في المؤسسة، وذلك بهدف ترسيخ الالتزام الفردي والجماعي بمفاهيم الحوكمة ومبادئها الأساسية، باعتباره شرطًا أساسيًّا لنجاح التطبيق.

  1. التباين الثقافي واللغوي

قد يؤدي التنوع الثقافي واللغوي بين الأفراد أو الموظفين العاملين في المؤسسة إلى نشوء صعوبات في التواصل الفعال، مما قد يعيق التطبيق الأمثل لمعايير الحوكمة.  

  1. تفشي مظاهر الفساد

لذا، يصبح من الأهمية بمكان أن تلتزم المؤسسات بتوفير برامج تدريبية شاملة تستهدف تعليم الموظفين المبادئ والمعايير الأساسية للحوكمة، وآليات تطبيقها بشكل موحد، بغض النظر عن الخلفيات الثقافية أو اللغوية المتنوعة، وذلك بهدف ضمان الفهم المشترك وتذليل العقبات التواصلية، وتيسير التطبيق السلس والمتكامل لمعايير الحوكمة في بيئة عمل متعددة الثقافات.

يشكل الفساد بمختلف صوره وأشكاله خطرًا جسيمًا يعيق بشكل مباشر عملية تفعيل مبادئ الحوكمة داخل أي مؤسسة، ولمواجهة هذا التحدي، يتعين تبني استراتيجية شاملة تركز على تحسين بيئة العمل وتعزيز آليات الرقابة الفعالة، ويتحقق هذا من خلال التشديد على قيم النزاهة والشفافية في صلب العمل المؤسسي، وإرساء قنوات إبلاغ واضحة ومحمية للكشف عن أي حالات فساد محتملة.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.