الاتفاقيات التجارية، بغض النظر عن الأفق العمراني الطموح والمشاريع العملاقة التي تجسد رؤية المملكة 2030، تكمن قوة أخرى لا تقل أهميةً في دفع عجلة التحول الاقتصادي للمملكة.
إنها شبكة محكمة من الاتفاقيات التجارية الدولية، وهي ليست مجرد وثائق قانونية، بل هي بمثابة شرايين حيوية تربط المملكة بأسواق العالم وتفتح آفاقًا واسعة للنمو والتنوع الاقتصادي.
فكيف تعمل هذه الاتفاقيات على تعزيز مكانة المملكة كقوة تجارية عالمية؟ وما هي أبرز المحطات في مسيرة المملكة نحو بناء هذه الشبكة؟ هذا ما سوف نتناوله بالتفصيل في هذا المقال.
الاتفاقيات التجارية هي عبارة عن معاهدات رسمية يتم إبرامها بين دولتين أو أكثر، أو بين دولة واحدة ومجموعة من الدول المتضامنة اقتصاديًّا وتجاريًّا، مثل التكتلات الاقتصادية الإقليمية أو الدولية.
تهدف هذه الاتفاقيات إلى تنظيم وتسهيل التبادلات التجارية والاستثمارية بين الأطراف الموقعة، وذلك من خلال تحديد القواعد واللوائح التي تحكم هذه العلاقات الاقتصادية.
تتمثل أهم أهداف الاتفاقيات التجارية فيما يلي:
بشكل عام، تلعب الاتفاقيات التجارية دورًا هامًّا في تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، حيث تساهم في زيادة النمو الاقتصادي من خلال توسيع الأسواق وتحفيز المنافسة، وتحسين مستويات المعيشة من خلال توفير سلع وخدمات متنوعة بأسعار تنافسية، وتعزيز العلاقات السياسية من خلال خلق مصالح مشتركة بين الدول.
يمكننا تصنيف الاتفاقيات التجارية إلى عدة أنواع، أهمها:
وهي عبارة عن معاهدات أو ترتيبات رسمية يتم إبرامها بين دولتين أو أكثر "أو بين دول ومنظمات دولية" بهدف تنظيم وتسهيل التبادلات التجارية والاقتصادية بين الأطراف الموقعة.
يتضمن هذا النوع من الاتفاقيات قواعد ومبادئ تنظم التجارة بين الدول الأعضاء في المنظمة، بهدف تحرير التجارة وتقليل الحواجز التجارية بين الدول الأعضاء، وهذا يجعلها جزءًا من نظام تجاري عالمي يشمل العديد من الدول.
وتعتبر عضوية المملكة في منظمة التجارة العالمية "WTO" نوعًا من أنواع الاتفاقات التجارية متعددة الأطراف أو الاتفاقيات التجارية الدولية.
ويهدف هذا النوع من الاتفاقيات إلى جعل التجارة بين الدولتين المتفقتين أكثر سهولة وحرية، من حيث تقليل أو إلغاء الرسوم الجمركية، وتسهيل حركة البضائع، بيع وشراء المزيد من المنتجات والخدمات بينهما، وتشجيع الشركات على الاستثمار في كلا البلدين.
جدير بالذكر، أن بعض الدول قد تسعى من خلال هذه الاتفاقيات إلى تحقيق أهداف أخرى مثل تعزيز العلاقات السياسية أو الأمنية بينهما.
وهي الاتفاقيات التي تعقدها مجموعة من الدول الموجودة في نفس المنطقة الجغرافية، أو التي تربطها مصالح اقتصادية مشتركة، بهدف تسهيل التجارة بين هذه الدول.
ومثال ذلك: الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي، واتفاقية تسهيل التبادل التجاري بين الدول العربية والتي نتج عنها إنشاء منطقة تجارية حرة كبيرة، وساعدت في نمو اقتصادات هذه الدول وتقوية علاقاتها.
هي اتفاقيات تجارية يتم إبرامها بين دولتين فقط، على عكس الاتفاقيات الإقليمية التي تشمل مجموعة من الدول.
تركز الاتفاقيات الثنائية على تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بشكل مباشر بين طرفين محددين.
وتسعى المملكة العربية السعودية من خلال هذا النوع من الاتفاقيات إلى:
ومن أمثلة الاتفاقيات التجارية الثنائية للملكة العربية السعودية، الاتفاقية التجارية مع سنغافورة، والاتفاقية التجارية مع دول رابطة التجارة الحرة الأوروبية "دول الأفتا".
هناك أيضًا الكثير من الاتفاقيات الثنائية بين الدول والمملكة، منها على سبيل المثال: اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين المملكة والاتحاد الاقتصادي البلجيكي اللوكسمبورجي، وبين المملكة والأردن، وكذلك تركيا وأذربيجان واليابان وأندونيسيا وغيرها الكثير.
يمكننا أن نوجز فيما يلي أهم الأسباب التي تدفع المملكة إلى إبرام الاتفاقيات الدولية السعودية:
لقد أثبتت الاتفاقيات التجارية دورها المحوري في إحداث تحولات إيجابية ملموسة على صعيد الاقتصاد السعودي، بدليل آليات تحرير التجارة وتوسيع نطاق الوصول إلى الأسواق الخارجية.
كما ساهمت هذه الاتفاقيات في تحقيق نمو مطرد في حجم التبادل التجاري الدولي في المملكة، فضلًا عن إحراز تقدم ملحوظ في تنويع هيكل الصادرات بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط الخام.
وعلى صعيد الاستثمار، شكلت هذه الأطر القانونية والتنظيمية حافزًا قويًّا لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة، وذلك من خلال تعزيز ثقة المستثمرين وتوفير بيئة أعمال أكثر استقرارًا وجاذبية، وقد انعكس هذا بشكل إيجابي على خلق فرص عمل جديدة ومستدامة وساهم في تحقيق مستهدفات التنمية البشرية والاجتماعية.
للاتفاقيات التجارية أيضًا أثرها البالغ في تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات والخدمات السعودية على الساحة العالمية، بعد اعتماد المعايير والمواصفات الدولية واكتساب المعرفة والتقنيات المتقدمة، الأمر الذي مكّن الشركات السعودية من تحسين جودة منتجاتها وخدماتها وتوسيع حصتها السوقية في مختلف القطاعات.
خلاصة الأمر، تعد الاتفاقيات التجارية بمثابة أداة استراتيجية فاعلة في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، من خلال دعم النمو الاقتصادي المستدام، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز مكانة المملكة كمركز تجاري واستثماري عالمي ورائد.
تحتاج الاتفاقيات التجارية إلى دقة قانونية عالية لحماية المصالح وتجنب النزاعات، وهنا تكمن أهمية التعاقد مع محامي دولي متخصص في هذا النوع للقضايا، للأسباب التالية:
يمتلك المحامي المتخصص في القضايا الدولية خبرة كافية بأنظمة المملكة العربية السعودية، مثل نظام التحكيم السعودي، ونظام الاستثمار الأجنبي، وقوانين الهيئة العامة للمنافسة.
كما يمتلك المعلومات القانونية الكافية فيما يتعلق بالتشريعات الدولية مثل: قواعد منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة والقانون التجاري الدولي، حيث تساعد هذه الخبرة في صياغة اتفاقيات متوافقة مع القوانين المحلية والدولية.
تتضمن الاتفاقيات التجارية بنودًا غامضة أو غير متوازنة في بعض الحالات، وهذا يعرضك للمساءلة القانونية أو الخسائر المالية، ويتمثل دور المحامي المتخصص في تحليل بنود العقود مثل شرط التحكيم والاختصاص القضائي والتقاضي في المحاكم الأجنبية، وضمان حماية حقوقك قبل التوقيع.
يفضل أن يكون المحامي المتخصص على دراية بآليات فض المنازعات الدولية وذلك في حال نشوب خلاف تجاري مع طرف أجنبي، ومن بين هذه الآليات: التحكيم في غرفة التجارة الدولية ICC أو مركز التحكيم السعودي، حيث يكون المحامي قادرًا على التعامل مع هذه الجهات بكفاءة، مع مراعاة الثقافة التجارية السعودية.
تذكر أن العقد الجيد يُقلل الخصومة، والمحامي الجيد يُجنبك المخاطر قبل وقوعها، وللحصول على أفضل النتائج، ينصح باختيار محامي لديه الخبرة في صياغة العقود الدولية بلغات متعددة، والتعامل مع المنظمات التجارية الدولية وفهم الثقافة التجارية على المستوى المحلي والدولي.
تواصل مع مكتب سهل للمحاماة، واضمن الحصول على خدمات قانونية استثنائية تحت إشراف مجموعة من المستشارين القانونيين المتميزين في المملكة العربية السعودية.