3 قراءة دقيقة
30 Dec
30Dec

يعدُّ التحكيم إحدى الطرق التي يتم من خلالها فض المنازعات بين الأطراف دون اللجوء إلى القضاء، وهو نظام معروف منذ قديم الأزل، وله الكثير من المزايا التي سنذكرها لاحقًا بعد توضيح مفهومه وشروطه وأنواع القضايا التي تُنظر فيهِ، والفرق بينه وبين القضاء، إضافةً إلى الكثير من الحقائق التي تهمك كقارئ حول هذا المجال.

ما هو مفهوم التحكيم؟

من سنّة الحياة أن تحدث المنازعات بين الأشخاص في العلاقات والتعاملات فيما بينهم، الأمر الذي أوجد القضاء الذي يهدف إلى الفصل في هذه المنازعات، ومنع الظلم ورد الحقوق إلى أصحابها، كما شرع التحكيم جنبًا إلى جنب مع القضاء حيث زادت الحاجة إليه مع كثرة التعاملات التجارية وتعقدها لقدرته على إنهاء النزاعات في أسرع وقت ممكن وعلى يد متخصصين لديهم الخبرة في التعامل مع النزاعات.

فالتّحكيم إذن هو اتفاق يتم بين طرفين أو أكثر لفض المنازعات التي نشأت أو ستنشأ بينهما، من خلال محكّمين يتم اختيارهم من قبل الأطراف المتنازعة للفصل في هذا النزاع دون اللجوء إلى القضاء المختص.

تزداد أهمية التحكيم يومًا بعد يوم خاصةً مع كثرة النزاعات التجارية وتعقدها، الأمر الذي أدى إلى انتشار مراكز التحكيم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي واعتراف الأنظمة القانونية بأحكامها، وإكسابها القوة التنفيذية.

اهتمام المملكة العربية السعودية بنظام التحكيم وفض المنازعات

مع ما تشهده المملكة العربية السعودية من تطورات اقتصادية أصبحت على إثرها إحدى الوجهات الرئيسية للمستثمرين من مختلف الدول، اهتم المشرع السعودي بالتحكيم اهتمامًا كبيرًا، ووضع القوانين الضابطة له، حيث أصبح المحكم في مقام القاضي، بل قد يتجاوز قرار المحكم قرار القاضي في بعض الحالات.

وقد جاء قانون التحكيم في النظام السعودي مواكبًا لدولة احتلت مركزًا ماليًّا رائدًا في الآونة الأخيرة، تزامنًا مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وما زالت تسعى إلى تعزيز إنتاجيتها عبر ابتكار العديد من الأنظمة والأفكار المتقدمة.

أنواع التحكيم

تنقسم أنواع التحكيم وفض المنازعات على النحو التالي:

  1. التحكيم الوطني، وهو الذي يتعلق بمنازعةٍ تنشأ داخل الدولة وبحيث تكون جميع عناصره محلية.
  2. التحكيم الدولي، وهو الذي يكون بين أطراف ينتمون إلى دول مختلفة.
  3. التحكيم الدولي الخاص، وهو الذي يفصل في المنازعات التي تنشب بصدد التجارة الدولية.
  4. التحكيم الدولي العام، هو الذي يحسم المنازعات التي تنشب بين الدول.
  5. التحكيم الاختياري، وهو التحكيم الذي يختاره الأطراف لأنفسهم.
  6. التحكيم الإجباري، حيث أن هناك بعض الأحوال التي يوجب فيها المنظم اللجوء إلى التحكيم.
  7. التحكيم التجاري الإلكتروني، وفيه يستخدم المحكمون التقنيات التكنولوجية في عملية التحكيم.

وعلى كل، فإن التحكيم يتنوّع وفقًا لموضوع النزاع، فإذا كان موضوع النزاع تجاريًّا فإن التحكيم يسمى تحكيمًا تجاريًّا، وإذا كان موضوع النزاع مدنيًّا، فإنه يسمى تحكيمًا مدنيًّا.

أهم مزايا التحكيم

يفضل الكثيرون اعتماد نظام التحكيم في فض الكثير من النزاعات، حيث يتمتع بالمزايا التالية:

  1. السرعة في فض المنازعات.
  2. أنه نظام قائم على التراضي.
  3. المرونة والسهولة في حل المنازعات.
  4. الاقتصاد في النفقات.
  5. الاستعانة بالخبراء للمساعدة في إصدار الأحكام.
  6. إمكانية محو آثار الخصومة من نفوس الأطراف المتنازعة.
  7. السرية في المداولات بين أطراف النزاع وهيئة التحكيم.
  8. حرية اختيار الأطراف المتنازعة للمحكمين وهم الأشخاص الذين سيقومون بالفصل في النزاع.
  9. لا يتقيد طرفي التحكيم بقانون أو إجراءات بعينها، حيث يمكن الاتفاق بينهما على القانون الذي سيتم على أساسه الفصل في موضوع النزاع.
  10. إمكانية العمل على تقريب وجهات طرفي النزاع بهدف الوصول إلى التسوية الودية.
  11. التخفيف عن القضاة وجعلهم أكثر تفرغًا لما يعرض عليهم من نزاعات في قضايا أكثر تعقيدًا لا يمكن حلها من خلال التحكيم.
  12. يرى البعض أن التحكيم أفضل من القضاء في بعض الحالات، حيث أن المحكم ينظر في تحقيق العدالة، بينما ينظر القاضي في التشريع فقط.

أنواع القضايا التي تنظر في التحكيم

في حال وجود اتفاق بين الأطراف المتنازعة على إحالة المنازعة لـ هيئة التحكيم فيمكنها النظر في أنواع القضايا التالية:


  1. القضايا التجارية.
  2. القضايا المدنية ما عدا قضايا الأحوال الشخصية.
  3. قضايا العقود الإدارية.
  4. قضايا المنازعات العمالية.
  5. النزاعات المتعلقة بالرياضة.
  6. النزاعات المتعلقة بالعقارات.

ماذا عن هيئة التحكيم؟ 

تتكون هيئة التحكيم من محكم واحد أو أكثر على أن يكون عدد المحكمين فرديا، والمحكم هو الشخص الذي ارتضته الأطراف المتنازعة للنظر في موضوع النزاع والفصل فيه مقابل رسوم يتم دفعها إليه، ويُشترط في المحكم أن يتمتع بالحيادية والاستقلالية عن جميع أطراف النزاع، كما ينبغي أن يتمتع بالأهلية الكاملة، وأن يكون حاصلًا على درجة جامعية في تخصص القانون أو الشريعة.

يُشترط في المحكِّم أيضًا أن يكون ذا خبرة تساعد في سرعة تسوية النزاع، والتمتع بحسن السيرة والسلوك، وأن يكون وطنيًّا أو من الأجانب المسلمين، فضلًا عن أن لا يكون له أي مصلحة في النزاع.

المحكّم هو المحور الأساسي في عملية التحكيم، خاصةً وأن قرار المحكم بمثابة قرار القاضي يكون له الإلزام القانوني في كثير من الأحيان، ولكن الاختلاف بينهم يكمن في أن القاضي يتم تعيينه من قبل ولي الأمر ووفقًا لشروط معينة، بينما المحكم يتم اختياره من قبل طرفي التحكيم.

ويتم اختيار عدد المحكمين في هيئة التحكيم بناءً على مدى تعقيد القضية وصعوبتها، حيث يفضل تعيين محكم واحد في النزاعات الصغيرة توفيرًا للتكاليف، بينما يتطلب الأمر اختيار أكثر من محكم في القضايا الصعبة والأكثر تعقيدًا.

وفي حال انتهت مهمة المحكم لأي سبب كان مثل وفاته أو عزله أو تنحيه أو عجزه، فينبغي تعيين بديلًا له بنفس الإجراءات التي تم اتباعها في اختياره.

الفرق بين المحكم والقاضي

ذكر بعض الفقهاء ورجال القانون عددًا من الفروقات التي تميز بين كل من المحكم والقاضي، يمكننا إيجازها على النحو التالي:

  • لا بد من اتفاق الخصمين على المحكم بخلاف القاضي الذي يتم تعيينه من قبل ولي الأمر.
  • الحكم الصادر عن المحكم لا يلزم تنفيذه إلا على الخصمين، أما الحكم الصادر عن القاضي فهو حجة في حق الناس جميعًا.
  • ليس من حق المحكم النظر في القضايا التي تتضمن الحدود والقصاص والدية وما شابه، بين يجوز للقاضي ذلك.
  • يمكن لطرفي النزاع عزل المحكم إذا اتفقا على ذلك، بينما لا يمكنهم عزل القاضي.
  • للمحكم أن يحكم في البلاد كلها بخلاف القاضي الذي يكون حكمه في حدود بلاده.
  • لا يجوز للمحكم أن يفوض التحكيم إلى غيره، لأن طرفي النزاع لم يرضيا إلا بغيره للتحكيم.
  • لا يُلزم المحكم بتطبيق قوانين المرافعات على إجراءات الخصومة، إلا إذا اتفق الخصوم على ذلك، بينما القاضي ملزم بتطبيق هذه القوانين.
  • يحصل المحكم على أتعابه مقابل عملية التحكيم بينما يمارس القاضي وظيفته في الدولة ولا يحصل على أي أتعاب من خصومه.

آلية لجوء الأطراف المتنازعة إلى التحكيم وإجراءاته

إن نجاح عملية التحكيم يعتمد بشكل أساسي على كفاءة المحكم وخبرته بجوهر مهمته وما يترتب عليها من إجراءات ومقتضيات.

وفي حال وجود نزاع معين أو مع احتمالية وجوده مستقبلًا، فيمكن لجوء الأطراف المتنازعة إلى نظام التحكيم على النحو التالي:

  1. اتفاق جميع الأطراف المتنازعة على إحالة المنازعة للتحكيم.
  2. تقديم طلب التحكيم عبر المركز السعودي للتحكيم التجاري.
  3. يمكن تقديم الطلب إلكترونيًّا عبر الموقع الرسمي www.sadr.org ومتابعة الإجراءات المطلوبة.
  4. يتم اختيار المحكمين المناسبين من القائمة المعتمدة لدى المركز السعودي للتحكيم التجاري.
  5. ينبغي أن يُعامل جميع أطراف التحكيم على قدم المساواة، بحيث يُترك لكل منهم الفرصة الكاملة لتقديم دعواه أو دفاعه.
  6. يتم إصدار الحكم من قبل المحكمين بعد النظر في القضايا وإقفال باب المرافعة، على أن يكون الحكم مكتوبًا ومسببًا، ويتم إرساله إلى الأطراف المتنازعة عن طريق مركز التحكيم.
  7. يتم تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمين في محكمة التنفيذ في حال كان التحكيم محليا، أما إذا كان التحكيم دوليا فيتم تنفيذه وفقا لقوانين الدولة الأجنبية.
  8. في حال تخلف أحد طرفي التحكيم عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات -بعد تبليغه بذلك- فإنه يجوز لهيئة التحكيم أن تستمر في إجراءات التحكيم وأن تصدر حكمها مستندة إلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها.

المقصود باتفاق التحكيم والشروط الشكلية والموضوعية لصحته

إن عدم وجود اتفاق تحكيم يعني انعدام ولاية المحكم ومن ثم انعدام حكم التحكيم، واتّفاق التحكيم هو بمثابة عقد بين الطرفين يتضمن الاتفاق على تسوية المنازعات فيما بينهم عبر نظام التحكيم.

وهذا الاتفاق هو ما يوضح العلاقة بين المحكّم وطرفي النزاع، حيث يكون الإيجاب من قبل أطراف النزاع والقبول من قبل المحكّم، ويمكن أن يتم هذا الاتفاق قبل حدوث النزاع أو بعد حدوثه، وتتمثل شروط صحة هذا الاتفاق فيما يلي:

  1. يجب أن يكون الاتفاق صادرًا من شخص طبيعي أو اعتباري له صلاحية الاتفاق على شرط التحكيم، يتمتع بالأهلية، ويملك التصرف في حقوقه.
  2. ينبغي أن يحدد الاتفاق طبيعة المسائل التي يتضمنها التحكيم.
  3. أن يكون محل الاتفاق قابلًا للفصل عن طريق التحكيم، وهذا يتحقق في حال كانت المسائل محل التحكيم قابلة للصلح.
  4. أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، يظهر إرادة الطرفين ورغبتهما في اللجوء إلى التحكيم.

جدير بالذكر أن نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية نص على أنه "لا يجوز للجهات الحكومية الاتفاق على التحكيم إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ما لم يرد نص نظامي خاص يجيز ذلك".


آليات تحديد أتعاب المحكمين

تنص المادة الرابعة والعشرون من نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية بوجوب إبرام عقد مستقل مع المحكم في حال اختياره على أن يتضمن العقد أتعابه، وتودع نسخة من هذا العقد لدى الجهة التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا النظام.

وفي حال عدم الاتفاق بين الطرفين على تحديد أتعاب المحكم أو المحكمين، فينبغي للمحكمة المختصة أن تحدده بقرار غير قابل للطعن بأي شكل من الأشكال، وفي حال كان تعيين المحكمين من قبل المحكمة، فينبغي مع ذلك تحديد الأتعاب الخاصة بالمحكمين.

آليات انتهاء إجراءات التحكيم

تنتهي إجراءات التحكيم بصدور الحكم الذي ينهي النزاع بين الطرفين أو بصدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في حال اتفق طرفا التحكيم على إنهاء التحكيم، أو ترك المدعي خصومة التحكيم -إلا إذا قررت هيئة التحكيم بناء على طلب المدعى عليه أن مصلحته في استمرار الإجراءات حتى الفصل في النزاع- أو في حال رأت هيئة التحكيم عدم جدوى استمرار الإجراءات أو استحالتها، ولا تنتهي إجراءات التحكيم إذا مات أحد طرفي التحكيم، أو فقد أهليته، إلا إذا اتفق من له صفة في النزاع مع الطرف الآخر على انتهائه.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.