3 قراءة دقيقة
30 Dec
30Dec

ازداد الاهتمام في الآونة الأخيرة بـ التحكيم في العقود على الصعيد المحلي والدولي، نظرًا لأن هذه العقود تعدّ إحدى وسائل الدول في تنفيذ مشروعاتها وبرامجها التنموية.

ولقد عُرف التحكيم كنظام اختياري لحل المنازعات منذ عقود قديمة خاصةً في مصر القديمة وبابل وآشور واليونان وعند الفينيقيين والعرب في شبه الجزيرة العربية، ثم جاء الإسلام فأقره كوسيلة شرعية لحسم المنازعات.

ويتنوع التحكيم وفقًا لنوع القضايا التي يتم الفصل فيها، فهناك التحكيم التجاري والتحكيم المدني والتحكيم الإداري، وسنحاول في هذا المقال توضيح المقصود بالتحكيم في العقود وأشكال الاتفاق عليه، وشرط التحكيم في العقود التجارية والإدارية.. الخ.

تعريف التحكيم في العقود

يُعرف التحكيم اصطلاحًا بأنه تولية الخصمين حكمًا يحكم بينهما، وله تعريفات فقهية متعددة، نختار من بينها قولهم بأنها الطريقة التي يختارها الطرفين المتنازعين لفض المنازعات التي تنشأ عن العقد دون اللجوء إلى القضاء.

كما عرّفه آخرون بقولهم أنه نظام لتسوية المنازعات عن طريق أشخاص طبيعيين يختارهم الخصوم بشكل مباشر، وبمعنى آخر، هو اتفاق الأطراف على طرح خلافاتهم على أشخاص طبيعيين يختارونهم، ويُعرف هؤلاء الأشخاص بالمحكّمين.

أما فيما يتعلق باتفاق التحكيم، فقد عرفه المنظم في المادة الأولى من نظام التحكيم السعودي بأنه اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات التي تنشأ بينها في شأن علاقة تعاقدية نظامية محددة تعاقدية كانت أو غير تعاقدية، سواءٌ كان التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في العقد أو في صورة مشارطة تحكيم مستقلة.

ويعد التحكيم وسيلةً بديلةً وهامة لتسوية النزاعات بين الأطراف المتنازعة، وقد لجأ الكثيرون إلى هذه الوسيلة بدلًا من اللجوء إلى القضاء العادي نظرًا لما يتمتع به التحكيم من مميزاتٍ كالسّرعة والمرونة والسرية، ولأهمية التحكيم في العقود وضع المشرع السعودي نظامًا لتوضيح مفهومه وشروطه وآلية تنفيذه وأيّ المنازعات التي يجوز طرحها أمامه.

أهم مزايا التحكيم وعيوبه

يتميز التحكيم عن غيره من النّظم القانونية بما يلي:


  1. السرعة في فض النزاع، ومن المتعارف عليه أن للوقت أثر كبير على الحق المتنازع عليه بين الأطراف خاصةً مع القضايا التجارية التي يكون للبطءِ في اتخاذ القرار حيالها أثر سلبي يضاعف حجم المشكلة.
  2. تجنب الأحقاد والعداوات بين الأطراف المتنازعة، حيث تتمثل وظيفة المحكم في تحقيق العدل مع المحافظة على بقاء الود في العلاقات والتراضي وإصلاح ذات البين.
  3. تخفيف الأعباء عن القضاء والمحاكم على المستوى المالي والإداري.
  4. المساهمة في النهوض باقتصاد البلاد بشكل عام، حيث أن تطبيق نظام التحكيم يجذب المستثمرين الأجانب والشركات متعددة الجنسيات والتي تفضل اللجوء إلى التحكيم بدلا من القضاء.
  5. الحفاظ على الخصوصية والسرية التامة لكل من الأطراف المتنازعة، الأمر الذي يضمن عدم المساس بسمعتهم.

أما عن عيوب التحكيم، فربما كانت تتمثل في تكلفتها العالية خاصةً فيما يتعلق بالتحكيم التجاري، أو في احتمالية عدم استجابة أحد الطرفين لتنفيذ الحكم الصادر عن هيئة التحكيم، وكذلك صعوبة الطعن في أحكام المحكمين مقارنةً بالطعن على الأحكام الصادرة عن المحاكم.

هل يعد التحكيم بديلا عن القضاء؟

يهدف نظام التحكيم السعودي بشكل عام إلى خلق بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي في المملكة العربية السعودية من خلال إزالة كافة العقبات والتحديات الناجمة عن تسوية الخلافات التجارية بين الأطراف، عبر إجراءات التحكيم التي تقوم على اختيار الأطراف المتعاقدة سواء في نص ضمن العقد أو باللجوء إليه بعد حدوث النزاع.

على جانب آخر تساهم إجراءات التحكيم في دعم قطاعات الأعمال على اختلافها، وعلى رأسها القطاع الهندسي وقطاع المقاولات والقطاعات المصرفية والزراعية والصناعية وقطاع النفط وما إلى ذلك، وكذلك المشاريع الكبرى داخل المملكة.

وقد أشار بعض المتخصصين في هذا المجال أن التحكيم يختلف عن القضاء في عدد من الجوانب، يتمثل أهمها في:

  1. المرونة في اختيار الزمن التي تُعقد فيه جلسات التحكيم ومكان عقدها وطبيعة القانون الذي يرتضيه الأطراف في إجراءات التحكيم، وكذلك اختيار المحكم أو المحكمين الذين يتحلون بالخبرة في المجال المراد التحكيم بشأنه.
  2. السرية والخصوصية التي تتمتع بها إجراءات التحكيم، وهو أمر ضروري للحفاظ على سمعة الأطراف المتعاقدة وحمايتها مما يؤثر بشكل سلبي على أعمالها، هذا على عكس القضاء التي تتم الإجراءات فيه بشكل علني.
  3. يسري تنفيذ أحكام التحكيم في العالم كله، دون الحاجة إلى اتفاقيات التعاون القضائي المشترك، وهذا لا يتحقق في الأحكام القضائية.
  4. يتميز التحكيم عن القضاء بأنه أكثر سرعةً وكفاءةً وفاعلية.

أما فيما يتعلق بكون التحكيم بديلًا عن القضاء، فيمكننا القول أن كلاهما يعدان جهات مختصة للفصل في المنازعات التي تنشأ عن الأطراف المتعاقدة، ولكن التحكيم يكون غير قادر على الفصل في جميع القضايا، فهناك بعض النزاعات ذات الطبيعة التي لا يجوز فيها اللجوء إلى التحكيم، هذا على عكس القضاء الذي يمكنه الفصل في جميع المنازعات والقضايا أيًّا كانت طبيعتها، ومع ذلك فإن القضاء يعترف بالتحكيم كقضاء خاص.

نظرة سريعة على أهم مميزات نظام التحكيم في العقود في المملكة العربية السعودية

واكبت المملكة العربية السعودية التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم المعاصر واعتماده على التحكيم في الكثير من المنازعات، فأصدرت نظامًا له ليكون وسيلةً فعالةً في حسم كثير من المنازعات التجارية والإدارية ومواكبًا للتطورات الاقتصادية والتنموية التي تشهدها المملكة، فضلًا عن موافقته لأحكام الشريعة الإسلامية والتي هي المنهج الأساسي للبلاد، وقد كان الهدف الرئيسي لإنشاء هذا النظام وما يتبعه من تحديثات تشجيع واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

وقد حدّث المشرع السعودي نظام التحكيم في العقود وجعله متماشيًا مع القوانين والاتفاقيات الدولية وبما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فكان من أهم ما يميز هذا النظام الجديد هو:


  1. إعطاء المجال لحرية الأفراد في الاتفاق على إجراءات التحكيم.
  2. منح الحرية للهيئة التحكيمية في إنهاء منازعة التحكيم.
  3. منح القضاء دورا رقابيا فقط على إجراءات التحكيم.
  4. إمكانية تطبيق التحكيم داخل وخارج المملكة العربية السعودية.

شرط التحكيم في العقود

المقصود به هو الشرط الذي يرد ضمن نصوص عقد ما، ويتضمن الاتفاق بين الأطراف المتعاقدة على فض أي نزاعات -تتعلق بهذا العقد- قد تنشب بينهم بواسطة التحكيم، ومن الملاحظ هنا أن هذا الشرط واقف على حصول النزاع، وقد لا يحدث هذا النزاع أصلًا وفي هذه الحالة لا يجوز لأي طرف من الأطراف المتعاقدة أن يستقل بنقضه دون موافقة الطرف الآخر.

جدير بالذكر، أن إدراج شرط التحكيم في العقود هو أمر اختياري بالنسبة للأطراف المتعاقدة، ولكن بعد إدراج هذا الشرط وحدوث النزاع، فإن عملية التحكيم تكون إجبارًا على الطرفين، شرط ألا يتفق الطرفان على التنازل عن ذلك الحق.

الخصائص التي تميز شرط التحكيم في العقود

من أهم الخصائص التي تميز شرط التحكيم في العقود أنه ذو طبيعة إنشائية، حيث أنه يصدر وضعًا قانونيًّا مستقلًّا بذاته، كما أنه ينظم إجراءات عملية التحكيم، ويكون بإرادة المتعاقدين، في العقد الأساسي، ويلزمهم باللجوء إلى التحكيم في فض المنازعات الناشئة عن العقد.

يتميز أيضًا شرط التحكيم في العقود بأنه مكتوب دائمًا، لأنه طريقة من طرق الاتفاق على التحكيم والذي تعد الكتابة واحدة من شروطه، كذلك ينبغي أن يكون الاتفاق عليه واضحًا بعيدًا عن الغموض من خلال إدراج نص محدد في العقد يشير فيه إلى نية الأطراف المتعاقدة في اللجوء إلى عملية التحكيم بدلًا عن القضاء في فض المنازعات الناشئة عن المعاملات ذات الصلة بالعقد.

وينصح المتخصصون بأهمية عدم تحديد نوع المنازعات التي تندرج تحت إجراءات التحكيم في العقد وتركها واسعة النطاق لتشمل كافة النزاعات الناشئة عن العقد.

أما عن أهم ما ينبغي تحديده في شرط التحكيم في العقود، فيتمثل في تحديد الطرف الذي يخول إليه تعيين رئيس هيئة التحكيم في حال عدم اتفاق الأطراف المتعاقدة على ذلك، وكذلك تحديد مكان التحكيم ولغته التي تناسب جميع الأطراف المتنازعة والنظام الإجرائي الذي تخضع له عملية التحكيم.

بقي أن نذكر أن شرط التحكيم في العقد هو شرط يتمتع بالاستقلالية الكاملة عن باقي بنود العقد وعن العقد ذاته، وذلك بإجماع آراء الفقهاء والقانونيين، الأمر الذي يترتب عليه أن بطلان العقد الأساسي الذي يتضمن شرط التحكيم لا يعني بالضرورة بطلان شرط التحكيم نفسه.

استقلالية شرط التحكيم في العقود عن العقد ذاته

يعرّف فقهاء القانون شرط التحكيم بأنه الاتفاق مقدمًا في عقد ما على اللجوء للتحكيم لفض المنازعات التي قد تنشأ مستقبلًا، ويكون شرط التحكيم هذا أحد بنود العقد، وقد قرر نظام التحكيم السعودي وجوب لجوء الطرفين المتعاقدين لعملية التحكيم طالما اتفقا على ذلك سواء في العقد ذاته أو في وثيقة مستقلة.

وقد نصت على ذلك المادة السابعة من نظام التحكيم السعودي حيث تقرر ما يلي:

"إذا كان الخصوم قد اتفقوا على التحكيم قبل قيام النزاع، أو إذا صدر قرار باعتماد وثيقة التحكيم في نزاع معين قائم، فلا يجوز النظر في موضوع النزاع إلا وفقا لأحكام هذا النظام".

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو مدى استقلالية شرط التحكيم عن العقد ذاته، حيث تطرق نظام التحكيم السعودي الجديد إلى استقلال البند الخاص بشرط التحكيم عن بقية بنود العقد طالما كان الشرط صحيحًا في ذاته، فهو لا يتأثر ببطلان العقد أو فسخه وفي هذا الصدد كانت المادة الحادية والعشرون من النظام والتي نصت على أنه "يعد شرط التحكيم الوارد في أحد العقود اتفاقًا مستقلًّا عن شروط العقد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد الذي يتضمن شرط التحكيم أو إنهائه بطلان شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحًا في ذاته.


تعريف التحكيم في العقود الإدارية

عرّف الفقه الفرنسي التحكيم في العقود الإدارية بأنه نظام استثنائي للتقاضي بموجبه، حيث يجوز للدولة وسائر أشخاص القانون العام الأخرى إخراج بعض المنازعات الإدارية الناشئة عن علاقة قانونية عقدية أو غير عقدية وطنية أو أجنبية من ولاية قضاء مجلس الدولة لكي تحل بطريق التحكيم بناءً على نص قانوني يجيز ذلك، وخروجًا من مبدأ الخطر العام الوارد على أهلية الدولة وسائر أشخاص القانون الأخرى في اللجوء للتحكيم.

وفي قانون المملكة العربية السعودية كما ذكرنا سابقًا أنه لا يجوز للجهات الحكومية اللجوء للتحكيم لفض منازعاتها مع الآخرين إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء وهذا المنع يشمل التحكيم في العلاقات الداخلية والخارجية على حد سواء.

حول التحكيم في العقود الإدارية

العقود بصفة عامة هي جمع "العقد" وهو الوثيقة التي تتضمن اتفاقية بين طرفين يتحدد من خلالها المنفعة المتبادلة فيما بينهما، ويمكن إبرام العقد بشكل شفهي أو كتابي أو ضمني أو أحادي الجانب وتعد العقود المكتوبة أكثر رسميةً من العقود الشفوية حيث يسهل تنفيذها كما أنها توفر أفضل مستوى من الحماية لكلا الطرفين المتعاقدين، لذا يفضل الكثيرون إنشاء العقود الرسمية على اختلاف أنواعها على يد محامي متخصص.

تتنوع العقود أيضًا من عقود تجارية وأخرى مدنية وإدارية وربما تتفق جميعها في ضرورة توفر الأركان المتمثلة في المحل والسبب والرضا، وسنوجّه اهتمامنا في هذه الفقرة حول التحكيم في منازعات العقود الإدارية نظرًا لأهميتها على مستوى الدولة حيث يتم من خلالها تنفيذ المشروعات الكبيرة والهامة في البلاد، الأمر الذي يتطلب مستويات عالية من المصداقية والشفافية في مختلف مراحل تنفيذ هذه المشاريع وإيجاد حلول عادلة لما ينشأ عنها من مشكلات أو نزاعات.

يؤدي التحكيم دورًا هامًّا للغاية في حسم النزاعات الناتجة عن العقود الإدارية والتجارية على المستوى الدولي والإداري، وقد اعتمدت الكثير من الدول العربية والأجنبية نظام التحكيم كحل أمثل لفض هذه المنازعات لما يتسم به من سرعة ومرونة وخصوصية وتوفير للمال والوقت، ناهيك عن أنه الوسيلة التي تساعد على تحفيز المستثمرين الأجانب للاستثمار في المملكة العربية السعودية.

وفي نظام التحكيم السعودي أنه يجوز اللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية شرط الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء، وذلك في حال النص على شرط التحكيم في العقد على حل النزاع بطريق التحكيم، أو تم الاتفاق على حل النزاع بطريق التحكيم بعد حدوث النزاع.

كما ورد في نظام التحكيم السعودي أيضًا أنه في حال المنازعات التي تكون الجهات الحكومية طرفًا فيها وقررت اللجوء إلى التحكيم، فإنه يجب على هذه الجهة الحكومية إعداد مذكرة بشأن التحكيم في النزاع تتضمن موضوع النزاع وأسبابه وأسماء الأطراف المتنازعة حتى يتم رفعها إلى رئيس مجلس الوزراء للموافقة على التحكيم.

على صعيد آخر، يجوز لرئيس الوزراء أن يصدر قرارًا مسبقًا يرخص فيه لجهة حكومية معينة بإنهاء المنازعَات عن طريق التحكيم، وعلى أي حال فإنه ينبغي إخطار مجلس الوزراء بالأحكام التي تصدر عن هيئة التحكيم.

ويمكن أن نوضح تفسير شرط الحصول على موافقة رئيس مجلس الوزراء لإجراء عملية التحكيم لفض المنازعات في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي بأنه يحد من اللجوء إلى التحكيم إلا في الحالات ذات الصلة بأمور التنمية، وبما يساهم في تقوية القدرة التنافسية للشركات الوطنية في مواجهة الشركات الأجنبية.

وعلى كل، فإنه من الضرورة بمكان اللجوء إلى التحكيم في العقود الإدارية للفصل فيما ينشأ عنها من منازعات نظرًا لما يحققه ذلك من النهوض بالاقتصاد واستقطاب المستثمرين على المستوى الوطني والأجنبي حيث يعد التحكيم ضمانًا لهم وحماية لاستثماراتِهم.

التحكيم في العقود التجارية الدولية 

مع تقدم المجتمعات البشرية وتطورها، ونمو حجم التجارة الدولية أصبح التحكيم أمرًا لا مفر منه وأصبحت معظم العقود الدولية لا تخلو من شرط التحكيم، فلا يخلو الأمر من حدوث الخلافات الناجمة عن اختلاف اللهجات، وأصبحت الحاجة ملحة لحلها على وجه السرعة للحفاظ على قوة العلاقات بين الدول، الأمر الذي يجعل التحكيم الوسيلة المناسبة لفض الخلافات التي تنشأ أثناء تنفيذ العقود والاتفاقيات التجارية الدولية والتي تمثلها شركات أو أطراف متعددة الجنسيات.

لذا كان اشتراط التحكيم في العقود مسألة ذات أهمية كبيرة تساهم بفعالية في سرعة فض مختلف أنواع النزاعات وبناءً على ذلك عدلت الكثير من الدول نظام التحكيم الخاص بها لتناسب تطور المعاملات التجارية في الآونة الأخيرة من حيث وضع الشروط المنظمة له، وآلية تنفيذ أحكام هيئة التحكيم وما إلى ذلك.

التحكيم في العقود للحد من الخلافات الناشئة عن تعدد اللغات

تتعدد اللغات بطبيعة الحال في كتابة العقود والاتفاقيات الدولية، الأمر الذي ينتج عنه بعض الخلافات في آلية تنفيذ هذه العقود، وفي هذه الحالة تكون الحاجة إلى فض النزاع وديًّا في أسرع وقت ممكن مع الاحتفاظ بالعلاقات القائمة بين الدول وهذا لا يتحقق إلا عن طريق التحكيم الذي أصبح له دور أساسي في تدعيم العلاقات التجارية على المستوى الإقليمي والدولي التي قد تتأثر بشكل سلبي إذا اعتمدت على إجراءات التقاضي الطويلة.

وهنا يكون لزامًا على الأطراف المتعاقدة أن يتفقوا في عقودهم على الجهة التي تتولى عملية التحكيم وحسم الخلافات وكذلك الاتفاق على الآلية التي يرتضونَها في تنفيذ الأحكام الصادرة عن الجهة المحكمة.

أهمية اللجوء إلى التحكيم في عقود المقاولات

يُقصد بالمقاولة في اللغة الإنفاق والأخذ والعطاء، ويعد عقد المقاولة من العقود الرضائية والملزمة للطرفين المتعاقدين، وقد عرفت القوانين المدنية عقد المقاولة بأنه عقد مكون من طرفين يتعهد فيه طرف منهم بالقيام بشيء ما مقابل أجر يتقاضاه من الطرف الآخر، وتتمثل أركان عقد المقاولة في الرضا بين الطرفين وتوفر المحل والسبب.

يعد اللجوء إلى التحكيم في عقود المقاولات ذو أهمية كبيرة نظرًا لدوره الأساسي في تقديم الحلول بشكل أسرع والوصول إلى حكم فاصل في حال نشوب نزاع بين أطراف العقد، ولما يتسم به التحكيم من مرونة وسرية وتوفر الخبرة في المحكمين التي تؤهلهم لإنهاء أي نزاع قد ينشب بين الأطراف حول تنفيذ أي من بنود العقد، ولذا يتطلب الأمر الاتفاق على محكمين من ذوي الخبرة الهندسية للفصل في القضايا المطروحة.

وقد يتم وضع شرط التحكيم في عقود المقاولات كبند ضمن بنوده ويعد في هذه الحالة بندًا إجرائيًّا له طبيعة قانونية خاصة ومستقلة لا تتأثر بباقي بنود العقد، ويمكن اعتباره عقدًا مستقلًّا بذاته داخل عقد المقاولات.

التحكيم في العقود النفطية

تتعلق عقود النفط باستخراج أحد أهم الموارد الاقتصادية للدولة من باطن الأرض، الأمر الذي يتطلب استمرار التعاون لفترات زمنية طويلة، بين الدولة والشركات العاملة في هذا القطاع.

وتستثمر الشركات التي تعمل في مجال النفط والغاز رؤوس أموال كثيرة، وبالتالي فإن المنازعات والخلافات التي قد تنشأ تعد أحد أهم المخاطر التي قد تواجهه هذه الشركات، ومن ثم يتعين عليها أخذها بعين الاعتبار وإدارة هذه المخاطر من خلال وضع آلية مناسبة لتسوية النزاعات حال حدوثها سواء كانت هذه الأطراف المتعاقدة شركات محلية أو جهات حكومية أو شركات أجنبية، وهذا يسري على جميع أنواع العقود النفطية، وهنا قد يتساءل البعض عن مدى نجاح عملية التحكيم في المنازعات المتعلقة بهذا النوع من العقود، وهل ستؤتي ثمارها المنشودة؟

تحدد العقود في قطاع البترول العلاقة بين كل من الدولة والشركات العاملة في هذا القطاع مع توضيحٍ لحقوق وواجبات كل من الطرفين، وتتنوع عقود البترول ما بين عقود الامتياز وعقود تقاسم الإنتاج وعقود الخدمات والنقل والتوزيع وما إلى ذلك، ولكل من هذه العقود خصائصه التي تميزه عن غيره.

أنواع العقود ذات الصلة بالاستثمار النفطي

قبل أن نفصل القول فيما يتعلق باتفاق التحكيم في العقود النفطية لزم أن نوضح أنواع العقود التي تندرج تحت هذا المجال، وهي على النحو التالي:

  1. عقود إنشاء المصافي، وهي التي يتم إبرامها بين الدولة المنتجة للنفط وبين المستثمر على إنشاء مصافي البترول، وبحيث يتحمل المستثمر المشروع مقابل حصوله على المبلغ المتفق عليه في العقد.
  2. عقود المشاركة في الإنتاج، وهي العقود التي يتم فيها الاتفاق على اقتسام النفط الذي يتم استخراجه بين الشركة الأجنبية المستخرجة وبين الدولة المالكة للنفط وفقًا للنسبة المحددة في العقد، وبعد حصول الشركة الأجنبية على التكاليف التي تكبدتها في عملية الاستخراج.
  3. عقود الخدمات النفطية، وهي العقود التي تتفق بموجبها الدولة المنتجة للنفط مع الشركة الأجنبية بحيث تقوم الشركة بتنفيذ عدد معين من العمليات النفطية في منطقة معينة لقاء مقابل معين، ومن بين هذه الخدمات: التنقيب، الإنتاج، التطوير..الخ.

وأيًّا كان نوع العقد المتفق عليه، فإن شرط التحكيم الوارد فيها لا يختلف من حيث الشكل أو المضمون، إذ تختار الأطراف المتعاقدة هيئة التحكيم التي يتم الاتفاق عليها، مع تحديد مقر التحكيم والقانون الواجب تطبيقه على إجراءات التحكيم وآلية تنفيذ قرار المحكمين.

على جانب آخر، ينبغي أن نذكر أن التحكيم يعد من أهم الوسائل الفعالة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في المجال النفطي، بل وتعد أيضًا إحدى الضمانات التي تقدمها الدولة المالكة للنفط إلى الشركات الأجنبية التي تتوجس بطبيعة الحال من انحياز القضاء الوطني إلى دولته، وترى في التحكيم وسيلةً محايدة، لذا كان من الضروري أن تقر الدولة المالكة للنفط بالالتزامات المنصوص عليها في اتفاقيات التحكيم، وتوفير الآليات المناسبة لتنفيذ القرارات الصادرة عن هيئة التحكيم.

لماذا تلجأ الشركات الأجنبية إلى التحكيم بدلا عن القضاء لفض منازعاتها؟

تلجأ الشركات الأجنبية إلى التحكيم لفض منازعاتها مع الأطراف المتعاقدة معها بدلًا عن إجراءات التقاضي، حيث يتطلب الأمر أن تكون لديها الخلفية الكافية حول القوانين المحلية، فضلًا عن رغبة هذه الشركات في إنهاء النزاعات بسرعة وفي سرية تامة، وهذا أمر ضروري لاستمرار العلاقات التجارية كما أن عملية التحكيم تفسح المجال للاستعانة بالخبراء في الجوانب الفنية، الأمر الذي يساعد على فض النزاعات التجارية بكفاءة عالية.

معايير نجاح التحكيم في العقود النفطية وأهم قواعدها الإجرائية

يعتمد نجاح التحكيم في العقود النفطية على عدد من المعايير، يتمثل أهمها في وضوح وسلامة الإجراءات التي ينبغي اتباعها وإفساحِ المجال للأطراف المتعاقدة لوضع نظام إجرائي سليم من شأنه أن يكفل الضمانات الواجبة في كل عملية تحكيم، وهذا إنما يتحقق بكتابة النصوص التي تضمن القواعد الإجرائية الواجبة الاتباع في شرط التحكيم ذاته حتى يكون معروفًا وواضحًا لجميع الأطراف منذ البداية، وفي حال خلت نصوص شرط التحكيم من قواعد النظام الإجرائي فإن هيئة التحكيم تختص بذلك.

وفيما يتعلق بأهم القواعد الإجرائية للتحكيم والتي يتم تطبيقها في فض النزاعات الناشئة عن العقود النفطية فتتمثل فيما يلي: بدء إجراءات التحكيم، مكان التحكيم، لغة التحكيم والتي يتم اختيارها بحيث تكون مشتركة ومفهومة لجميع الأطراف حماية لحقوقهم، جلسات التحكيم والتي يشترط فيها أن تكون سرية.

ومن هنا تأتي أهمية التحكيم في العقود النفطية وعقود الطاقة والمعادن الأخرى التي يتم استخراجها من باطن الأرض، وذلك لعدم خلو الأمر من وجود الخلافات وتفضيل المستثمرين لحلها عبر التحكيم القانوني اعتمادًا على المحكمين من ذوي الخبرة في المجالات القانونية، هذا حيث أن القضاء العادي قد يأخذ الكثير من الوقت للفصل في هذه النزاعات مع كثرة التكاليف وعدم تحقق السرية التي يتطلبها هذا القطاع.

لذا أولت الكثير من الشركات في المملكة العربية السعودية عنايةً فائقةً بالتحكيم في العقود النفطية وعقود البترول والطاقة والمعادن والتي يكون لها الأثر الأكبر في استمرار التعامل بين أطراف المنازعات بشكل ودي بعد الفصل بينهم من قبَل هيئة التحكيم المتخصصة.


تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.